هذا ويمتنع المسلمون الأتقياء عن شرب الخمر ، أما الآخرون فيتعاطونه حتى يبلغ بهم السكر حد الهياج ، وفي هذه الحالة يصل بهم الاندفاع إلى حد ارتكاب أكبر التجاوزات التي تتسبب في قتلهم في بعض الأحيان ، وهذا ما يحدث غالبا في أيام العيد ، فبعد أن يمتنعوا عن شرب الخمر طيلة شهر رمضان ، يعودون إلى شربها مع حلول العيد الأضحى ، فيقبلون على تعاطي الخمر طيلة أيام العيد الثلاثة التي تطيب فيها المآكل وإن كانوا لا يجرؤون على تناوله جهارا (١).
لقد صادف أن وصلت إلى الجزائر في الفترة التي تسبق الصيام ، ولا حظت أن المسلمين يمتنعون عن الشرب والأكل أثناء اليوم طيلة الشهر ، وحتى ظهور قمر الشهر التالي. وهذا الصوم ليس منهكا سوى للطبقة الدنيا وهي جماعة البرانية ، الذين يلتزمون به رغم ما يقومون به من أعمال منهكة جدا ، بينما الذين هم في منزلة أرفع ، وهم الحضر ، يتجنبون هذا الإجهاد ويهيئون في الليل ما يقومون بعمله في النهار.
ومع نهاية شهر رمضان وعند رؤية هلال العيد ينقل الخبر على جناح السرعة إلى الداي ليأمر بإطلاق المدافع إعلانا بانتهاء شهر رمضان وحلول العيد (٢) ، الذي يعرف لدى الأتراك ببيرم وفي لغة الفرانكا يطلق عليه لفظ باساكا (Pasaca) لأنه يأتي على منوال عيد الفصح لدى النصارى ، وقد جرت العادة في صبيحة اليوم الأول من عيد الفطر أن يذهب الناس إلى إلقاء السلام وتقديم التهنئة إلى الأفندي الأكبر أوالداي ، وأثناء ذلك يكون هذا الأخير
__________________
(١) كانت مدينة الجزائر ، نظرا لنشاطها البحري ولتنوع أصول سكانها ووجود جماعة كبيرة من الأسرى المسيحيين بها ، تضم العديد من الخمارات المعروفة ب" التبارن" (ج. تبرنة) بلغة الفرانكا ، يقوم على خدمتها الأسرى الأوربيون ويتردد عليها النصارى وجماعات من الجند الإنكشاري ، من أهمها حانات قصر الرياس المعروفة بسبع تبارن.
(٢) يقصد به عيد الفطر المعروف لدى العامة بالعيد الصغير وفي لغة الفرانكا بباساكا وعند الأتراك ببيرم.