تجاريا تصدر منه إلى مرسيليا شحنات معتبرة من القمح والشعير والخضر الجافة والأصواف والجلود التي يشتريها وكلاء المركز من العرب بسعر متفق عليه. فكان على السفن أن تغادر الحصن بقدر ما يمكن من السرعة محملة بهذه الشحنات تجنبا للمخاطر المحدقة بالملاحة على هذا الشاطئ كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
واصلنا سفرنا عن طريق البحر إلى بنزرت (١) على ظهر سفينة من نوع فرقاطة (fre؟gate) تابعة للشركة ؛ وبنزرت قد تكون أوتيكا القديمة (Utique) (٢) ، وهي إحدى المدن البحرية الرئيسية في العهود القديمة ، وقد حملنا على الاعتقاد بأنها أوتيكا كونها تتفرد بموقع مينائها الذي يتصل بالبحر عن طريق قناة تعبرها
__________________
(١) بنزرت ، حسب أوصاف المؤرخ الروماني بلين (Pline) ، هي مدينة هيبو دياريتوس (Hippo Diarrhytus) التي تعني مقطع الأسود. فتحها المسلمون سنة ٦٦١.
خضعت لخير الدين عند استيلائه على تونس (١٥٣٤) ، وعند تراجعه أصبحت ضمن أملاك الإمبراطور شرلكان (١٥٣٥) ، لكن الإسبان اضطروا للتخلي عنها عند انسحابهم من تونس ، فظلت مدينة بحرية معرضة للهجمات البحرية ، فتعرضت لقنبلة الأسطول الفرنسي سنة ١٧٧٠ ، وبعد خضوع تونس للحماية الفرنسية (١٨٨١) ، اهتم الفرنسيون بتطوير مينائها وجعلوا منها قاعدة عسكرية مهمة.
(٢) أما أوتيكا القديمة (Utique) فهي غير بنزرت ، تقع بالقرب من مصب نهر مجردة بموقع بوشاطر على بعد ١٢ كلم عن الشاطىء بعد أن تراجع البحر عنها. يعود تأسيسها إلى جماعة من الفينيقيين قدموا إليها من صيدا حوالي ١١٠١ ق. م. ، وأصبحت ضمن منطقة نفوذ قرطاج (حوالي ٤٠٨ ق. م.) ، وأعلنت خضوعها للرومان مع بداية الحرب البونية الثالثة (١٤٩ ق. م.) ، فاتخذها الرومان قاعدة لهم في حربهم ضد قرطاج وأعلنوها مدينة حرة (١٤٤ ق. م.) ، وأصبحت تحظى بمنزلة عاصمة إفريقيا الرومانية ، ونزلت بها قوة القائد الروماني ماريوس لمحاربة الملك النوميدي يوغرطة (١٠٧ ق. م.) ، وانخرطت في الحرب الأهلية الرومانية بين مؤيدي قيصر وأنصار بومبيي ، وبها وضع كاتون حفيد الخطيب الروماني الشهير كاتون (Caton) حدا لحياته عند انتصار قيصر عليه في معركة تابسوس (٤٦ ق. م.).
ومع أعادة إعمار الرومان لقرطاج على عهد أغسطس ، فقدت أوتيكا مكانتها وإن حافظت على عمرانها تحت حكم الأباطرة السيفيريين في القرن الثالث ، بعدها تراجعت لتتحول إل أنقاض مع فتح العرب لإفريقيا.