وفي ٢٦ سبتمبر أبصرنا مدينة طرابلس ، وسررنا بدخول مينائها (١) ، وعند نزولنا من السفينة عرض علينا القنصل الإمبراطوري خدماته عن طريق مترجمه ، ولكن قنصل فرنسا السيد رايموندي (M.Raimondis) كانت له الكلمة الأخيرة في هذا التسابق على الضيافة ، فأنزلنا في مكان لائق بالبيت الذي يقيم به وحظينا باستقبال القناصل الآخرين ، فقد كان حلولنا بينهم مناسبة غير عادية لقلة تردد الأوربيين على طرابلس.
أشعرنا الباشا أوباي البلد (٢) الذي حملنا له رسائل توصية من داي
__________________
(١) مدينة طرابلس أسسها القرطاجيون في القرن الخامس قبل الميلاد عند خط الصخور المحاذية للساحل والتي تشكل نتوء داخل البحر ، وجعلوا منها محطة تجارية عرفت باسم أويت (Uiat). موقعها الآن يحتل الطرف الشمالي لمدينة طرابلس شمال قوس نصر مارك أورليوس. أحتل الرومان مدينة طرابلس في القرن الأول قبل الميلاد ، وعرفت في القرن الثاني الميلادي توسعا عمرانيا وازدهارا اقتصاديا ، لم يلبث أن تراجع مع نهاية القرن الثالث الميلادي لتتعرض مدينة طرابلس بعد ذلك للتخريب بفعل الزلالزل (٣٠٦ و ٣٦٥) واجتياح الوندال ، ولم تسترجع مكانتها عندما خضعت للحكم البيزنطي ، وعند ما فتحها المسلمون (٦٤٣) ، جعلوا منها محطة رئيسية تربط إفريقيا بمصر ، فظلت مركزا عمرانيا مهما حتى احتلها الإسبان سنة ١٥١٠ ، وعندما استرجعها العثمانيون سنة ١٥٥١ ، أصبحت تتمتع باستقلال فعلي على عهد الباشوات القرامانليين (١٧١١ ـ ١٨٣٥) ، ثم ألحقتها الدولة العثمانية بمركز السلطة ، فظلت طرابلس الغرب قاعدة ولاية عثمانية حتى استولى عليها الإيطاليون سنة ١٩١١.
(٢) هو الباشا أحمد بن يوسف بن محمد القرامانلي نسبة إلى موطن أجداده قرمان بالأناضول ، نشأ بطرابلس وتولى وظيف آغا فرسان منطقة الساحل وقائد المنشية القريبة من مدينة طرابلس. تولى حكم طرابلس الغرب بتأييد من الديوان ومساندة من الأهالي ، مما اضطر السلطان العثماني إلى قبول الأمر الواقع ، فمنحه مرتبة بكلر بك محافظة على سلطته الشرعية على ولاية طرابلس الغرب.
استمر حكم الباشا أحمد القرامانلي لطرابلس الغرب مدة ناهزت خمسا وثلاثين سنة (١١٢٣ ـ ١١٥٨ ه / ١٧١١ ـ ١٧٤٥ م) ، أقر أثناءها الأمن وأخمد حركات التمرد ومد سلطته نحو إقليمي برقة وفزان ، وشجع التجارة مع السودان ، واعتنى بالأسطول للحصول على المزيد من الغنائم ولإرغام الدول الأوربية على دفع الإتاوات.