وهو سلوك معهود لدى القراصنة.
القوة البحرية التونسية قليلة الأهمية ، فهي لا تتجاوز بعض السفن الحربية الراسية بمرسى بورتوفارينا (Porto ـ Farina) (١) على بعد ثلاثة أميال من مدينة تونس ؛ وسفن هذه القوة البحرية من نوع الغليوطات تشكل خطرا على السفن التجارية وعلى سفن الشحن الصغيرة ، وهذا ما يمكنها من الحصول في غالب الأحيان على غنائم من الإسبان والبنادقة والإيطاليين وبعض الدول الأوربية الأخرى. وفي هذا الصدد لم نلتق في تونس بأسرى ألمان ما عدا من لم يكن منهم من رعايا الإمبراطور ، بينما نجد الكثير من الأسرى الإغريق والبنادقة ، ولعل ذلك يعود إلى أن حكومة تونس هي الآن في حالة سلم مع الإمبراطور وجمهورية جنوة. (٢)
لقد غادرت مدينة تونس في يوم ١٣ سبتمبر (١٧٣٢) مع ثلاثة ممن رافقوني في سفري وأثناء ذلك اغتنمت الفرصة التي سنحت لي فوقفت على آثار قرطاج الشهيرة وهي تقع بالقرب من حلق الوادي حيث كانت السفينة تنتظرنا للإبحار ، فشاهدنا موقع أسوار قرطاج الضخمة ووقفنا على بعض معالمها التي لا تزال قائمة ، وتبين لنا أن المدينة كانت مشيدة على ثلاثة
__________________
(١) مرسى بورتو فارينا (Porto Farina) وهي روسينونا (Ruscinona) حسب المؤرخ الروماني تيتوس ليفيوس ، أو غار الملح لوجود تكوينات ملحية بجوارها ، يحدد موقعها عند سفح جبل الناظور شمال بحيرة تشكلت من مياه المنخفض الذي يكونه المجرى القديم لوادي مجردة ، وتقدر مساحتها بحوالي ٣٠ كلم مربع. وقد كانت هذه البحيرة فيما مضى متصلة بالبحر عن طريق منفذ لا يتجاوز طوله خمسين مترا ، والذي أصبح اليوم مطمورا بالرمال بحيث لا يصلها ماء نهر مجردة إلا في فترات الفيضانات. استقر بها اللاجئون الأندلسيون في مطلع القرن السابع عشر وحافظت على عمرانها ، ويبلغ عدد سكانها الآن حوالي ٠٠٠. ٤ نسمة ، وهي تبعد عن مدينة تونس بحوالي ٤٥ كلم وليس ثلاثة أميال كما ذكر صاحب الرحلة.
(٢) أبرم باي تونس حسين بن علي التركي معاهدة سلم مع إمبراطور النمسا سنة ١١٣٧ ه / ١٧٢٥ م ، كفلت له ولحلفائه حرية التجارة وأمنت رعاياه من الوقوع في أسر البحارة التونسيين.