يتصرف كل واحد منهم في عدد من المشاة الأتراك والفرسان العرب (١) ، ويعيشون تحت الخيام وسط فرقتهم العسكرية الصغيرة (المحلة) ويقومون بتغيير أماكنهم كل يوم تقريبا. وهؤلاء البايات في تحركاتهم مع مجموعة الجند (المحلة) عبر مقاطعاتهم يبدون قسوة بالغة للتمكن من الحصول على مقدار الضريبة المفروضة عليهم من قبل حاكم الجزائر. وهذه الطريقة في استخلاص الضرائب لا يمكن لأي شخص أن يتجنبها أو يتهرب منها ما دام ليس في مقدوره أن يشتكي من الوسائل العنيفة التي يمارسها هؤلاء البايات في حقهم ، وكل من يريد الذهاب إلى الجزائر لرفع شكوى ، يعرف جيدا أن في ذلك مخاطرة كبيرة ولا يمكنه أن يجد من ينصفه في شكواه ما دام الأتراك كلهم يرغبون في تولي المناصب ذات الدخل المالي الوفير ، وهذا ما جعل البايات يرسلون مع مساعديهم الضريبة التي يحصلون عليها إلى الجزائر (٢) ، وبذلك يتجنبون المخاطر التي قد تؤدي بحياتهم ومن جهة أخرى يتمكنون من المحافظة على مناصبهم ولا يترددون في ممارسة كل أنواع الظلم في حق الجنود التابعين لسلطتهم والقيام بأي عمل يسمح لهم بزيادة جراياتهم.
لقد كان باي قسنطينة يقيم وسط محلته المؤلفة من جنود الفرقة العسكرية المرافقة له ، وهي في هذا الوقت ذات قدرة قتالية معتبرة جدا ، فمع أنها تتألف من ثمانية آلاف جندي ومائة فارس إلا أنها قادرة على كبح شكيمة العرب وفي استطاعتها أن تخوض الحرب عند ما يتطلب الأمر ذلك. ومع
__________________
(١) القوة العسكرية المصاحبة للبايات أو حكام المقاطعات في تنقلاتهم في الريف والمعروفة بالمحلة تتألف من المشاة الأتراك وهم من حاميات المدن المعروفة بالنوبة ، ومن فرسان العرب الذين يعرفون برجال المخزن ويشاركون في الحملات (المحلات) الموجهة لجمع الضرائب ومراقبة القبائل.
(٢) تعرف الضرائب التي يحملها خلفاء البايات إلى مدينة الجزائر في فصلي الخريف والربيع بالدنوش الصغرى تمييزا لها عن الدنوش الكبرى التي يقدمها البايات بأنفسهم مرة كل ثلاث سنوات.