وصولنا إلى هذا المعسكر كان لزاما علينا أن نذهب لملاقاة الباي بعد أن علم بموضوع سفرنا ، فقدمنا له رسائل التوصية ، وعندما عرف بواسطتها أننا تحت حماية داي الجزائر ، أنزلنا في خيمة نظيفة جدا ووجدنا في معسكر المحلة أن كل شيء مهيأ من أجل توفير راحتنا وحسن معاملتنا ، لكن الظروف لم تكن في صالحنا فقد وصلنا إلى معسكر الباي في وقت اضطراب وفترة حرب ، وكان الباي قد ألحق منذ وقت قريب الهزيمة بأحد شيوخ القبائل المجاورين وحرمه من مكانته لدى قبيلته وأسندها إلى شيخ آخر مقابل مبلغ كبير من النقود ، وهذا ما دفع الشيخ المعزول الذي يعرف لدى رجال قبيلته ببو عزيز أو أبوالوطن (١) في سعيه من أجل رد الاعتبار لشخصه إلى الالتزام أمام الباي إن هو أثبته في منصبه الذي حرم منه أن يرسل له رهائن من رجال قبيلته تأكيدا على حسن نيته وأن يقدم له كترضية مبلغ ثلاثين ألف قرش بالإضافة إلى دفع ضريبة سنوية مقدارها عشرة آلاف قرش. فكان هذا العرض كاف لأن يغير الباي رأيه ويتخلى عن منافس هذا الشيخ الذي دفع هو بدوره من أجل الفوز بمنصب شيخ القبيلة مبلغا من المال ، وفي الحال أصدر الباي أوامره لفرسان المحلة للتوجه إلى الشيخ الذي أقر ، سلفا على مشيخة القبيلة لنهبه ومطاردته وتشريده ، ومن الغد رأينا بأعيننا نتيجة هذا الظلم ، فقد سيقت إلى المعسكر جماعات من رجال الدوار مع قطعان ماشيتهم ثم أطلق سراح الرجال دون أن يسمح لهم بأخذ أي شيء لسد حاجاتهم الملحة.
كانت محلة باي قسنطينة آنذاك معسكرة في أحد أوطان نوميديا الأكثر بهجة وروعة ، فقد كانت هذه المقاطعة تحت الحكم الروماني مزدهرة جدا
__________________
(١) بوعزيز (Boessys) شيخ قبيلة الحنانشة التي تقع مواطنها بمنطقة سوق أهراس ونواحيها ، وتعتبر مع قبيلتي الحراكتة والنمامشة من أهم قبائل الشرق الجزائري.
اشتهرت بقوة شكيمتها وموقفها المعادي للبايليك. وقد اشتهر زعيمها ابن صخري بثورته على بايات قسنطينة والتي تولت قيادتها بعده ابنته علجية التي عرفت بإقدامها وشجاعتها.