أما مدينة تونس (١) فتعتبر بعد القاهرة والإسكندرية من أكبر مدن إفريقيا وأحسنها بناء ، وهي تقع في سهل جميل ، وهذا ما جعل منظر المدينة أكثر لطافة وحسنا ، ومما زاد في جمال مظهرها الجامع الرائع البناء الذي أنشأه الباي الحالي وتولى بناءه مهندس فرنسي جعل تصميمه يماثل نموذج قبة الأنفليد (Invalides) (٢) بباريس.
أما موقع مدينة تونس فهو متميز جدا إذ يقع على حافة بحيرة تتصل بالبحر بواسطة قناة وهذا ما جعل الحركة التجارية مع المدينة سهلة وسمح بوصول المسافرين والبضائع إليها بواسطة سفن تستعمل المجاديف ، بينما السفن الكبرى التي تتطلب مياه عميقة ، تتوقف على مسافة منها مما أبقى
__________________
(١) غطت مدينة قرطاج على مدينة تونس ، فظلت هذه الأخيرة حتى الفتح الإسلامي قرية متواضعة تعرف بتينيس (Tynes) أو تونيس (Tunes). وبعد استيلاء حسان بن النعمان على قرطاج (٨٢ ه) اتخذ من تينيس أو ترشيش ، كما عرفها العرب ، قاعدة بحرية لمواجهة البيزنطيين ، وعرفت تطورا عمرانيا عندما أقام بها بن الحبحاب جامع الزيتونة (٧٣٢ م) ، فتزايدت أهميتها وأصبحت على عهد الحماديين مركز إمارة بني خراسان المستقلة (القرن ٦ ه / ١٢ م). وعندما استولى عليها الموحدون (٥٥٥ ه / ١١٦٠ م) جعلوها قاعدة لإفريقيا ، وعندما انقسمت دولتهم ظهرت بها الدولة الحفصية التي امتدت سلطتها من طرابلس إلى بجاية (٦٢٦ ـ ٩٨١ ه / ١٢٢٩ ـ ١٥٧٤ م) ، وأثناء ذلك توسع عمران تونس واستقر بها المهاجرون الأندلسيون. وعند ضعف الحفصيين ، أصبحت محل نزاع بين الإسبان والعثمانيين ، فاستولى عليها شرلكان (١٥٣٥) ، واسترجعها سنان باشا (١٥٧٤) ليجعل منها عاصمة لباشوية عثمانية قبل أن يؤول حكمها إلى الأسرة الحسينية التي أسسها حسين بن علي التركي (١٧٠٥) الذي تعرف عليه صاحب الرحلة.
(٢) يعرف بجامع الباي حسين ، استغرق بناؤه سنتي ١٧٢٦ و ١٧٢٧ ، وتميز بمنارته ذات الثمانية أضلع ، وألحقت به مدرسة وهيأ بجواره الباي حسين تربة ليدفن بها ، وأوقف عليه أملاكا للإنفاق عليه ، ورتب به دروسا ، وأقيمت به أول صلاة في ٢٦ أبريل ١٧٢٧ ، وتولى الخطابة به أبو العباس أحمد الحنفي ، فكان من أهم الجوامع الحنفية بمدينة تونس. أنظر : أحمد بن أبي الضياف ، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان ، تونس ، الدار التونسية للنشر ، الجزء الثاني ، ص. ١٢٥.