لأصحابها ؛ وليس هناك مقرات (auberges) يأوي إليها الأجانب ، وهذا ما كان في صالحنا فقد انتفعنا بصفة خاصة من هذه الوضعية ، فأقمنا مدة مكوثنا بمدينة الجزائر عند السيد بلاك الذي عاملنا بالأريحية والكرم المعهودين لدى مواطنيه من الإنكليز ، ونفس المعاملة لمسناها لدى القناصل الآخرين الذين حملنا إليهم رسائل في شأن رحلتنا ، حتى أننا لم نلمس في مدينة الجزائر مع من تعاملنا معه سوى سلوك متحضر ، هذا ويوجد بمدينة الجزائر أيضا أفراد من الإغريق لهم كاهن يرعى شؤونهم الدينية.
إن مدينة الجزائر حقا من المدن المهمة في إفريقيا ، فهي قد واجهت في كل الأوقات جيوش أقوى الدول ، وهي على الأرجح مدينة جوليا القيصرية (Julia Cesarea) التي شيدها يوبا تمجيدا للإمبراطور أغسطس (١) ، مع أننا لا نجد بها أية آثار رومانية ؛ وقد سميت عند العرب بالجزائر بسبب وجود جزيرة قبالتها بالقرب من الساحل ، وهذه الجزيرة أصبحت اليوم موصولة بالمدينة برصيف بحري.
بنيت مدينة الجزائر على منحدر جبلي وهذا ما جعل أزقتها متدرجة يعلو بعضها البعض مثل مدرجات مسرح روماني ، وهذا التدرج في أزقتها مع
__________________
(١) لقد جانب هابنسترايت الصواب ، فمن المؤكد أن قيصرية هي مدينة شرشال التي حول الملك يوبا الثاني اسمها من يول ـ كما كانت تعرف منذ العهد القرطاجي ـ إلى قيصرية تمجيدا لولي نعمته القيصر الروماني أغسطس أو أوكتافيوس. أما مدينة الجزائر فهي إيكوزيم (IKosim) الفينيقية ، والتي عرفت في العهد الروماني بإيكوزيوم (Icosium) ، بعد أن أصبحت إحدى المستوطنات الرومانية المهمة في القرن الأول الميلادي ، وتعرضت للتدمير عند اجتياح الوندال لها ، وظلت خربة حتى أعاد عمرانها الأمير بلوكين بن زيري بن مناد الصنهاجي (٣٣٩ ه / ٩٦٠ م) ، فعرفت بجزائر بني مزغناي ، وتحولت إلى مدينة مستقلة أواخر العهد الزياني ، واستنجد سكانها بالأخوين بربروسة للقضاء على الحصن الإسباني المقام على الجزر المواجهة لها والمعروف بقلعة الفنار" البنيون" ، فتغير بذلك مصيرها لتصبح قاعدة المغرب الأوسط أو البلاد الجزائرية منذ ١٥١٨.