الإسبان ، ومع ذلك وافق وبدون تردد على مغادرتي الجزائر مع مقتنياتي شريطة أن أترك له الأدوية التي كان لها مفعول في معالجة ابنه وأعلمه كيفية استعمالها ، فقمت بتحضيرها له وسلمت الوصفة الخاصة بها لحرسه الشخصي ليتمكن من استخدامها في معالجة ما يلم به وبأصدقائه من الأمراض ، ما دمت لا أستطيع أن أقنع هؤلاء الناس بأن كل مرض من الأمراض يتطلب دواء خاصا ، فهم يعتقدون بأن دواء واحدا كفيل أن يشفي كل الحالات المرضية ، فضلا عن كونهم يحملون نظرة جيدة عن كفاءة الأطباء النصارى في هذا الشأن ويدعونهم بالعلماء تعبيرا عن التقدير الخاص الذي يحضون به لديهم.
وعند ما سلمت الدواء للداي فتح كيس نقوده وهم بتسليم مبلغ مالي لي ، فأفهمته بلطف بأني لم أقم بذلك من أجل أن أتقاضى ثمنه ، لكن كان لزاما علي قبول المبلغ الذي قدمه لي الداي ، لأن المترجم أكد لي أن ممانعتي وإصراري على رفضه قد يتسبب في غضب الداي ، وبالفعل كانت هذه الهدية جديرة بمقام من قدمها وهو الداي الذي ارتقى من صانع للغليونات إلى مرتبة ملك إن صح إطلاق هذا اللقب على أحد القراصنة (١). كانت هذه الهدية تتكون من ثلاثة أكياس من النقود من صنف القروش التي تعتبر أصغر نقود الجزائر ، والتي لها نفس قيمة الريالات الفرنسية القديمة. (E؟cus)
لقد انتهزت هذه الفرصة فالتمست من الداي أن أحصل على لبؤة كان
__________________
(١) لم يوفق صاحب الرحلة في هذا التعبير الذي يظهر نظرة الأوربيين إلى مسألة الجهاد البحري والقائمين عليه وهم رياس البحر ، فاعتبروا هذا النشاط البحري من قبيل القرصنة التي لا تخول صاحبها تولي المناصب السامية ، كما أن تقاليد المساواة التي كانت سائدة في صفوف الحامية بالجزائر كانت تتناقض مع ما هو متعارف عليه بأوربا حيث تخضع المناصب والمهام إلى اعتبارات المكانة الاجتماعية ومنزلة الأسر العريقة ، وهذا ما جعل كاتب الرحلة لا يتقبل كون داي الجزائر قبل توليه الحكم مارس الجهاد البحري وامتهن حرفة ذات مردود مادي محترم وهي صناعة الغلايين ، الأمر الذي جعله يتحفظ في إطلاق لقب" ملك" عليه مع كونه كان يعرف لدى عامة الناس بهذا اللقب.