الجزائر ، بأنه سوف يستقبلنا في الغد وهو ٢٧ سبتمبر ، فاصطحبنا لمقابلته قنصل فرنسا ، وقد سبقتنا إشاعة توحي بأن هناك بعض الأشخاص يتجولون في البلاد لاستكشافها بحجة البحث عن النباتات ، ولحسن الحظ أن هذه الإشاعة لم تجد قبولا لدى الباي.
وبعد أن قدمنا للباي رسائلنا ، لم يكتف بأخذ فكرة طيبة عنا وإنما أكد لنا بأنه يرغب أن يكون في بلاده ما هو جدير باهتمامنا ، ووعدنا بحمايتنا أثناء سفرنا ، فكان هذا الأمير بهذا السلوك أكثر حكام إيالات المغرب أدبا وكياسة ، وقد تحادث معنا بدون الاستعانة بمترجم واستفسر عن مشاريعنا وطلب منا أن نمده بوصف عن بلادنا ، وقد كانت لغته الإيطالية التي حادثنا بها راقية جدا.
كنت أتمنى أن أعثر بطرابلس على بعض القطع المعدنية والعينات الأثرية بإجراء عمليات حفر ؛ وقد تابعت سفري فذهبت إلى لبيدة (Lebida) (١) وبون كاسان (Bon Cassin) القريب من موقع إيه القديمة (Aea) (٢) ، لكن الظروف لم
__________________
لم تحل إدارة أحمد القرامانلي الحازمة دون تعرض نفوذه للتراجع مع تقدمه في السن ، فوضع حدا لحياته بعد أن ولى ابنه محمد مقاليد الحكم ، وبذلك استمرت سلالته (القرامانلية) في حكم طرابلس الغرب حتى سنة ١٨٣٥.
(١) لبيدة (Lebida) أو لبدة أو لبتيس ماغنا (Leptis Magna)) Lepcis Magna (، تقع على الساحل الليبي إلى الشرق من مدينة مخمس بين طرابلس وسرت (١٢٥ كلم إلى الشرق من طرابلس). اتخذها القرطاجيون مركزا تجاريا منذ القرن الخامس قبل الميلاد ، لتحكمها في الطريق الصحراوي الرابط بين إقليمي طرابلس وبرقة.
وتحولت إلى مدينة مستقلة بشؤونها منذ سنة ٢٠٢ ق. م. ، بعدها خضعت للحكم الروماني (٢٧ ق. م.) ، واتخذ منها الأباطرة الرومان من الأسرة السيفيرية في القرن الثالث الميلادي عاصمة لإفريقيا. تضررت لبدة بفعل الزلازل المدمرة في القرن الرابع (٣٠٦ ـ ٣١٠ و ٣٦٥) ، وتعرضت لتخريب الوندال (٤٣٥) ، ولم تسترجع مكانتها مع البيزنطيين ، قبل أن تتحول إلى أنقاض قبيل الفتح العربي لإقليم طرابلس (سنة ٦٤٢).
(٢) إيه (Aea) يقصد بها (Oea) وهي تحريف لكلمة (Uiat) الاسم القرطاجي لمدينة طرابلس (أنظر ترجمة مدينة طرابلس ، هامش رقم ١٤٦).