وفي ١٦ ماي وقفنا على الآثار التي بني عليها البرج والتي تدل على أن هذا المكان كانت به مدينة كبيرة ، فقد وجدنا الكثير من القبور الرومانية عليها نقوش لاتينية بعضها يكاد الزمن يمحي حروفها تماما وبعضها الآخر لا زال مطمورا في التربة ، وهناك أحد النقوش في حالة جيدة تدل على أنه قبر لرجل مع أمه وابنه وهناك نقش حجري آخر يفهم من كتابته أن هذه المدينة المهدمة هي مستعمرة أوزيا (Colonia Auziensis) (١) التي ورد ذكرها في لوحة مسالك أنطونين. (Itinraire d\'Antonin)
وفي ١٧ ماي سارعنا إلى الالتحاق بمعسكر الآغا ، فوجدناه بوطن حمزة (Hampsa) (٢) ، وكان قبل ذلك قد تفقد محلة باي التيطري الذي لا زال مخيما بها بصحبة فرسانه للتصدي للقبائل التي تقطن الجبال المجاورة ، وكان الآغا قد شن غارة عليها منذ فترة واستطاع في ظرف أيام قليلة أن يأخذ منها ثمانمائة (٨٠٠) جمل وألفي (٢٠٠٠) خروف (٣).
__________________
وصاحب ذلك فوضى وأعمال سرقة ونهب اضطرت الداي إلى اتخاذ إجراءات قمعية شديدة لوضع حد لها.
(١) أوزيا (Auzia) وهي مدينة سور الغزلان الحالية ، تعتبر من المواقع الرومانية المهمة في شمال إفريقيا لوقوعها على خط الدفاع ضد القبائل الجنوبية المعروف بالليمس. تعرضت إلى التخريب منذ أواخر العهد الروماني وبعده ، وأنشأ حسن بن خير الدين في القرن السادس عشر مكانها برجا لمراقبة القبائل الجبلية بديرة وونوغة ، ولتأمين طريق قسنطينة أثناء فترات تمرد القبائل.
(٢) برج حمزة وهو سوق حمزة الذي أسسه حمزة بن الحسن بن سليمان العلوي في النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي ، وقد اكتسب هذا الموقع أهميته لكونه يقع على الطريق الرئيسي بين مدينتي الجزائر (١١٨ كلم) وقسنطينة (٣٠٠ كلم) ، فأقيم يه حصن به ١٨ مدفعا ليكون نقطة مراقبة لقبائل جرجرة وعشائر عريب وبني سليمان ، ولكونه مقرا لحامية من الجنود يقدر عددها بنحو خمسين رجلا يحرسون الطريق ويشاركون في المحلات ويواجهون القبائل المتمردة التي استطاعت احتلال الحصن سنتي ١٧٥٦ و ١٧٥٧. أصبح برج حمزة ، بعد أن استولى عليه الفرنسيون سنة ١٨٣٩ ، يعرف بالبويرة التي أصبحت اليوم إحدى المدن الجزائرية الرئيسية.
(٣) أمام تهرب القبائل الجبلية والعشائر البدوية من سلطة حكام الجزائر وامتناعها عن تقديم