إن سكان مملكة الجزائر ليسوا كلهم من أصول واحدة ، فالحكومة بيد الأتراك الخلص أي الذين ينحدرون من آباء وأمهات أتراك وهم في الغالب يستقدمون من المشرق أو قد يأتي بهم القراصنة بالقوة إلى الجزائر (١) ، والأتراك ينظرون إلى الجزائريين نظرة يشوبها الاحتقار وينعتونهم بأنهم مجموعة من العصاة أو الخارجين عن القانون فلا يجندون أحدا منهم في الحامية ، ونفس النظرة تحملها النساء التركيات عن الجزائريين ، على أن الرجال الأتراك يضطرون إلى الزواج من الأسيرات المسيحيات أو مع نساء البلاد أي الجزائريات ، ولكن أولادهم لا يستطيعون احتلال المراتب الكبيرة في المملكة ، وهؤلاء المنحدرون من آباء أتراك وأمهات جزائريات يحملون اسم الكراغلة (Cololis) (٢) ويكونون مع العناصر التركية جيشا تعداده مائة ألف
__________________
مع بقاء ممثل شرفي للسلطان بالجزائر يعرف بالباشا (١٦٧١ ـ ١٧١١). على أن تطور الحكم أدى إلى تزايد صلاحيات الداي باعتباره الحاكم المطلق الصلاحية ، وتحول الديوان إلى مجلس للضباط ترتبط اجتماعاته بالمناسبات والمواسم التي توزع فيها الجرايات على الجند ، بينما منصب ممثل السلطان وهو الباشا فقد تم إلغاؤه واكتسب الداي لقبه ، فأصبح يحمل بجانب مهامه كداي لقب الباشا الذي يتحصل عليه بفرمان سلطاني ويكسبه شرعية لدى الديوان والجند وباقي السكان ، وهذا ما سمح لنظام الحكم في الجزائر أن يستقل فعليا عن الدولة العثمانية ، فاكتسبت بذلك الجزائر مقومات الدولة المستقلة ذات السيادة في إطار التضامن العثماني وتحت رعاية السلطان الشرعية منذ ١٧١٧ وحتى الغزو الفرنسي في ١٨٣٠
(١) هؤلاء هم الأوربيون الذين يقعون في الأسر ويندمجون في الطائفة التركية بمدينة الجزائر ، ويعرفون بالأعلاج.
(٢) الكراغلة أو القرغلان تحوير للفظ التركي قول أوغلي أي أبناء العبيد ، على اعتبار أنهم عبيد السلطان حسب العرف العثماني ، وهم جماعة المولدين من آباء أتراك وأمهات جزائريات ، وقد اكتسبوا مكانه مميزة بالنسبة لباقي السكان من غير الأتراك وإن لم يسمح لهم بتولي المناصب السامية التي ظلت حكرا على الأتراك القادمين من المشرق ، وهذا ما سبب توترا في علاقتهم بديوان الجزائر وأدى إلى طرد جماعات منهم من مدينة الجزائر إلى وادي الزيتون ببلاد القبائل (١٦٩٣).