(dorades) والتونة وهي تقوم بحركات خاصة بها وهي ليست دائما مؤشرا حقيقيا على اقتراب العاصفة.
وأثناء توقفنا لبضعة أيام بعنابة ، عقدت العزم على الذهاب إلى قسنطينة لمعاينة آثار هذه المدينة ، ولكون الطريق إليها كان غير آمن تماما لكون السكان كانوا يحقدون على النصارى ويتحينون الفرصة للانتقام منهم نظرا للحصار الذي كان يهدد مدينة الجزائر ، فقد اضطررت أنا ومن كان برفقتي أن نصطحب حرسا من الفرسان يؤمنون سفرنا ، وهذا ما جعلنا نشكل قافلة صغيرة يتوفر أفرادها على تسليح جيد ، فغادرنا عنابة وسرنا عبر سهل جميل مغطى بأشجار البرتقال والعناب وهو الشجر الذي أخذت منه المدينة اسمها ، فمدينة بونة أو هيبون القديمة تعرف في اللغة الموريسكية بعنابة (١) نسبة إلى
__________________
(١) عنابة من أهم الموانئ الجزائرية ، تقع إلى الشمال الشرقي من قسنطينة ب ١٦٠ كلم ، وتبعد عن مدينة تونس بحوالي ٣٠٠ كلم. يعود تأسيسها إلى الفينيقيين وبعد ذلك أصبحت ضمن أملاك قرطاج. خضعت للرومان وعرفت بهيبون الملكية (Hippo Regius) التي لا تزال آثارها ماثلة على منحدر الهضبة التي بنيت عليها كنيسة القديس أغسطين.
اشتهرت بكونها مقر أسقفية القديس أغسطين (٣٩٦ ـ ٤٣٠). تعرضت للنهب من قبل الوندال (٤٣١) ، وحاول البيزنطيون تحصينها قبل أن يتمكن حسان بن النعمان من فتحها سنة ٨٥ ه / ٧٠٥ م.
تحول موقع عنابة في الفترة الإسلامية نحو السهل بجوار وادي جمعة بالقرب من نهر سيبوز ، لينتقل لا حقا إلى الهضبة الصخرية المحاذية لشاطئ البحر والمتصلة بالجهات الداخلية من ناحية الغرب تجنبا للفيضانات وابتعادا عن المستنقعات ، فعرفت المدينة آنذاك ببونة الحديثة وأحدث بها جامع وأحيطت بالأسوار (١٠٥٨ م) ، واشتهرت بكونها تحتضن ضريح الولي الصالح سيدي مروان (ت. ١١١١ م) ، وأصبحت بعد ذلك إحدى قواعد دولة الحماديين وعاصمة إقليمية للموحدين (ق. ١٢ م) ، ومن بعدهم الحفصيين (ق. ١٣ ـ ١٥ م). وأثناء ذلك تعرضت للعديد من الهجمات البحرية الأوربية ، فاحتلها لفترة قصيرة روجرز النورماني ملك صقلية (١١٥٣ م).
وأثناء الصراع العثماني الإسباني في القرن السادس عشر ، استولى على عنابة خير الدين بربروسة (١٥٢٢) واتخذها قاعدة له في حملته على تونس (١٥٣٤) ، ثم اضطر إلى