غابة العناب ، وذلك بسبب كثافة هذه الأشجار حولها ، فلم نر مثل هذا المشهد الرائع لموريطانيا الخصبة في مكان آخر ، فقد شاهدنا وكنا في موسم الحصاد أعدادا لا تحصى من أكوام القمح تنتشر في الريف ، كما أن خضرة الأشجار وتنوع الشجيرات تجعل المنظر متنوعا وممتعا لأبصارنا التي اعتادت منذ مدة ليست بالقصيرة على رؤية الصخور الجرداء والجبال العارية من الغطاء النباتي.
لقد اعتاد سكان تلك الجهات التي مررنا بها على درس القمح في الحقول التي يزرع فيها. وقد لا حظنا أن الأزهار بدأت تقل وتصبح نادرة وتفقد يناعتها وجمالها بعد شهر يونيو لاشتداد حرارة الجو مع بداية هذا الفصل ، وهذا عكس النباتات التي تتوفر على بذور كثيرة ، وقد قمنا بقطعها بكل عناية حتى يمكن لنا تكوين حديقة نباتات إفريقية.
وبعد أن عبرنا قنطرة قديمة جدا على نهر اعترض سيرنا (١) ، توقفنا لأخذ قسط من الراحة بدوار (٢) يتكون من العديد من الخيام بوطن قبيلة دغوسة ،
__________________
التراجع عنها ، فاحتلها القائد الإسباني المركيز دومندوخار (M.de Mandejar) بأمر من الإمبراطور شرلكان (١٥٣٥) ، عملا بالمعاهدة الحفصية الإسبانية التي حولت مملكة تونس إلى محمية إسبانية ، وأثناء ذلك أقام الإسبان بها الحصن المنسوب للجنويين ، لكن العثمانيين أرغموا قائد الحامية الإسبانية بها الدون ألفار زغال (D.Alvar Zagal) على إخلائها سنة ١٥٤٠ ، فتحولت عنابة بعد ذلك إلى قاعدة بحرية وميناء رئيسي لبايليك الشرق. قدر سكان عنابة أواسط القرن الثامن عشر بما لا يقل عن ١٢. ٠٠٠ نسمة ، تقيم بقلعتها حامية مؤلفة من ١٥٠ جنديا ، تمكنت من صد العديد من الهجمات البحرية كان أخطرها هجوم ١٦٢١.
(١) وهو نهر سيبوز ، يبلغ طوله ٢٣٢ كلم ، ينبع من الهضاب العليا بمواطن الحراكتة حيث يعرف بوادي الشارف ، يجتاز الخوانق الجبلية ويرفده عند قالمة وادي الزناتي ، وبعد أن يعبر مناطق قالمة وبوشقوف الجبلية يجتاز سهل عنابة ويصب في البحر شرق مدينة عنابة.
(٢) أنظر هامش رقم ٦٣.