المصاحبين له (المحلة) في مكان لا يبعد إلا بيوم واحد عن رأس نيغرو ، رأيت لزاما علي أن أذهب إليه لتسليمه رسالة داي الجزائر ، خاصة وأن الحاكم الذي استقبلنا برأس نيغر أعلمه بوصول أجانب عن البلاد يرغبون في رؤيته ؛ وكان من طيبة باي تونس بعد أن علم بوجودنا بمملكته أن أرسل إلينا أحد مستخدميه مع بعض الفرسان لتأمين سلامتنا أثناء توجهنا إليه ، فوصلنا في المساء معسكره بمدينة باجة مركز إحدى المقاطعات التي تحمل نفس الاسم (١) ، ومثلنا أمام سيادته وهو اللقب الذي يدعونه به (٢) ، فلم يهضم فكرة
__________________
(١) باجة وهي فيغا (Vega) الواقعة بالشمال التونسي بين حوض مجردة وجبال خمير.
خضعت للرومان مع نهاية الحرب البونية الثانية ، تعرضت للهدم من طرف القائد الروماني ميتيلوس (Metellus) في حربه مع يوغرطة (١٠٩ ق. م.) ، وبعد أن عرفت ازدهارا تحت الحكم الروماني ، تعرضت للتخريب على يد الوندال (٤٤٨). وعندما استولى البيزنطيون عليها عملوا على تحصينها كما يشهد على ذلك اليوم برجان مستديران يشرفان على بناء مربع الشكل. ومن معالمها التي تعرف عليها هابنسترايت باب العين حيث العين العتيقة في ساحة صغيرة بجوار بقايا باب قديم.
(٢) وهو الباي حسين بن علي التركي وهو ذو أصول إغريقية من جزيرة كريت ، شغل منصب كاهية أو نائب الباي إبراهيم الشريف ، وعندما وقع هذا الأخير في قبضة الجزائريين ، أجمع قياد الجند والأعيان والعلماء بمدينة تونس على توليه شؤون البلاد لحزمه وحسن سلوكه ، وذلك خوفا من استيلاء الجند الجزائريين على مدينة تونس وتعرضها للنهب.
تولى حسين بن علي الحكم في ٢٠ ربيع الأول ١١١٧ ه / ١٢ يوليو ١٧٠٥ م ، وتمكن من إبعاد الجزائريين عن مدينة تونس مقابل ضريبة ثقيلة قدرت ب ٠٠٠. ١٥٠ ريال ، كما تمكن من إقرار الهدوء وأحبط محاولات إبراهيم الشريف الرجوع إلى الحكم بعد أن أقنع الجزائريين بإطلاق سراحه وتقديم العون له (١١١٨ ه ـ / ١٧٠٦ م) ، ومما زاد في سلطته حصوله على فرمان التولية من السلطان العثماني برتبة" أمير أمراء" وتثبيته في منصب الباي ، فعمل على إعمار البلاد واستتباب الأمن ورعاية شؤون الرعية وتوقيع معاهدات سلم مع العديد من الدول الأوربية ، ووقف في وجه الأسطول الفرنسي الذي حاول مهاجمة حلق الوادي سنتي ١٧٢٣ و ١٧٣١.