مركز أسقفية القديس أغسطين (١) الذي يحظى باحترام السكان الذين يعتبرونه وليا صالحا ، وقد ذهب بهم الاعتقاد في صلاح هذا العالم الذي يوجد قبره عندهم إلى القول بأنه نهاهم عن ممارسة القرصنة واعتبرها سلوكا مستهجنا وعملا حقيرا ؛ أما القبور الأخرى التي تنسب إلى رجال الكنيسة وكذلك قبر القديسة مونيكا أم أغسطين وهي ذات ممرات منتظمة تحف بها أشجار العناب والتوت واللوز والليمون والبرتقال ، وعلى بعد ميل واحد منها يوجد مكان مدينة هيبون القديمة القريب من رأس ماترا (Matra) عند مدخل الخليج ، ومكانها الآن عبارة عن آثار آيلة للزوال باستثناء الحصن الذي ظل في حالة جيدة (٢).
وللفرنسيين بعنابة مركز تجاري يشتغل بتجارة الحنطة والشعير والخضار الجافة والجلود والعسل والشمع ؛ وهذا النشاط التجاري يعتبر عملا مربحا ومهما بالنسبة لمقاطعة البروفانس الفرنسية حيث لا تفي محاصيلها من الحبوب بحاجة السكان ، وقد حققت الشركة الإفريقية التي يقع مركزها بمرسيليا أرباحا معتبرة بفضل هذه التجارة ، وإن كلفها هذا النشاط التجاري
__________________
(١) القديس أغسطين (Saint ـ Augustin) يعتبر من آباء الكنيسة الرومانية ، كان لكتاباته تأثير حاسم على الفكر المسيحي عبر العصور. ولد بتاغاست (سوق أهراس حاليا) سنة ٣٥٤ من أب وثني وأم مسيحية ، عاش حياة متحررة وقام بتدريس البلاغة اللاتينية بقرطاج ، وتحول إلى المسيحية بميلانو (٣٨٧) ، وعاد إلى مسقط رأسه ثم أصبح أسقف مدينة هيبون (٣٩٦) ، وتوفي بها أثناء حصار الوندال لها سنة ٤٣٠ ، وكان له دور كبير في انتصار الكاثوليكية في مجمع قرطاج سنة ٤١١.
عمل على نشر المسيحية ومحاربة المذهب الدوناتي ، وركز في دعوته الدينية على أن مصير الإنسان تضله الخطيئة وتنقذه رحمة الله ، وعرف برسائله العديدة وكتابيه" الاعترافات" و" مدينة الله" ، وقد ضمن الكتاب الأخير تصوره للتاريخ المسيحي ضمن جدلية الصراع الأبدي بين مدينة السماء ومدينة الشيطان.
(٢) هيبون القديمة (Hippo Regius) ، أنظر تاريخ عنابة : هامش رقم ٨٩.