عند منابعها أهرامات متكلسة يبلغ علوها ستة أقدام فأكثر ، وذلك أنه عند ما يصل منفذ النبع إلى هذا الارتفاع لا يستطيع الماء أن يتصاعد منه فينسد لينفتح نبع آخر يتسرب منه الماء بجواره ، وبذلك تكونت هذه الأهرامات الكلسية التي تشكلها الينابيع الحارة وهي من الكثرة بحيث أحصينا أكثر من مائة هرم كانت تكون في الماضي منافذ يخرج الماء عن طريقها من باطن الأرض ، بعضها الآن انغلقت فتحاته نهائيا وبعضها الآخر لا يزال منفذا يمر منه الماء ليسيل من حافاتها المرتفعة نحو الأرض ، وفي جهات أخرى من هذا المكان ، حيث لا توجد هذه التكوينات الهرمية ، سمعنا خرير المياه وهي تجري تحت سطح الأرض.
إن هذه الظواهر الطبيعية جعلت الناس المطبوعين على تصديق الخرافات يتصورون أن هذه الأهرامات ما هي إلا رجال مسخوا حجرا ، مع أنها تكونت بفعل ترسب تكوينات حديدية وأخذت لونها الداكن بفعل المحلولات النباتية (la noix de galle) لتتحول هذه الترسبات بعد ذلك إلى ملح ترابي قاعدته ذات طبيعة هلوية (alcaline) بفعل تأكسدها بدليل أنها تفور أو تغلي إذا خالطها محلول الخل. ومن المؤكد أن هذه المياه المعدنية قد تعرف عليها الرومان واستعملوها لوجود آثار لغرف وحمامات وقنوات لجلب مياه هذه المنابع الحارة عن طريقها.
وبينما كنا منشغلين بمشاهدة هذه الينابيع تقدم نحونا ثلاثة رجال مسلحين بالحراب ، وما أن لمحوا أننا مسلحين حتى تراجعوا ؛ ولعل حالة الهلع التي أصابتهم تعود إلى وجود الفرسان معنا أو يرجع إلى دواع أخرى لا نعرفها. ومع حلول الظلام قضينا الليل في أحد الدواوير ، تولى سكانه حراستنا بعد أن هدد الفارس الألماني المصاحب لنا شيخ هذا الدوار بأنه سوف يغرمه فرسا مقابل أي قرش يضيع منا.
وبعد أن اطلعنا على بعض الآثار التي ليس فيها ما يشد انتباهنا واصلنا طريقنا في ١٤ جويلية إلى عنابة وهي مدينة بونة التي اكتسبت شهرتها لكونها