القوة البحرية الإسبانية تهدد وهران أو تتوجه إلى الجزائر ، مما اضطرهم إلى تقسيم قوتهم التي لم تكن في الواقع كافية للدفاع عن أي واحد من هذين الموقعين البعيدين عن بعضهما ، وهذا ما زاد في قلقهم ، وإن كانوا في العلن يخفون مخاوفهم ويظهرون استهانتهم بقوة الإسبان ، في الوقت الذي تصاعدت فيه لدى العامة روح العداء للمسيحيين وتمنوا ـ في حالة فرض الحصار ـ أن لو يستطيعون وضع المسيحيين في فوهة المدافع ويقذفون بهم ليتحولوا إلى قطع متناثرة في وجه العدو كما حدث لبعضهم عندما هاجموا الجزائر في فترة سابقة (١). وفي ظل هذا الوضع ، فإنني أنهي لسيادتكم بأنه من المفيد لي أن أبتعد بسرعة عن المدينة حتى لا تكون مقتنياتي عرضة للظروف المستجدة.
إن حالة الغموض التي تعيشها مدينة الجزائر ونواحيها قضت على كل أمل لي في أن أضيف أشياء جديدة إلى مجموعتي من الحيوانات الغريبة والمقتنيات النادرة ، وبدأت كباقي المسيحيين الآخرين بالاستعداد للرحيل وأخذت جانب الحيطة والحذر في ذلك حتى لا يبدومني ما يدل على نيتي في الهرب ، وهذا ما استوجب علي أن أتحفظ في سلوكي إلا فيما يخص تحركاتي المتعلقة بمهمتي العلمية.
لقد أديت بعد رجوعي مباشرة من سفري زيارة إلى الداي لتقديم الشكر له على ما قدمه لي من حماية ورعاية وطلبت منه بهذه المناسبة الإذن لي بمواصلة سفري ، فأجابني ضاحكا أن ذلك قد يكون مصدره خوفي من قنابل
__________________
(١) إشارة إلى ما وقع لمندوب حصن فرنسا (الباستيون) وممثل فرنسا لوفاشي (P.Jean Levacher) أثناء النزاع الجزائري الفرنسي (١٦٨٢ ـ ١٦٨٣) الذي تسببت فيه سياسة لويس الرابع عشر المتغطرسة ، فبعد أن تكررت هجمات الأسطول الفرنسي بقيادة دوكين (Duquesne) على مدينة الجزائر ، أمر ميزومورتو الذي تولى الحكم آنذاك بوضع لوفاشي في فوهة المدفع ردا على السياسة الفرنسية وقذف به كقذيفة مدفع في مواجهة الفرنسيين ، وقد احتفظ الفرنسيون بهذا المدفع عند استيلائهم على الجزائر عام ١٨٣٠ وأطلقوا عليه اسم المدفع القنصلي."Le consulaire "