.
لقد علمت أن باي التيطري هذا يمتلك نعامة ، فرجوت الآغا أن يكلمه في شأنها فوعدني بذلك ، ومن الغد ابتهجت بالحصول على هذا الطائر الجميل الذي اعتاد السفر مع المحلة ، وهذا ما يسمح له بالسير مع جنود المحلة في طريق عودتهم إلى الجزائر بدون صعوبة. وأثناء ذلك شاهدنا جبال جرجرة الشاهقة تغطي قممها الثلوج رغم حرارة الجو المرتفعة في تلك الجهات. وفي طريق عودتنا سارعنا إلى نصب خيامنا عند قبيلة بني هارون حيث تنتشر حولها مجموعات من القبائل التي ظلت تحافظ على حريتها وتمتنع عن دفع الضريبة للبايليك ، وهي الآن في حرب معلنة مع حكومة الداي ، ولهذا أعطيت لنا الأوامر بأن نكون في كل الحالات على استعداد للحرب عندما يتوجب علينا غدا السير بمحاذاة الجبال.
وفي ١٩ ماي اجتزنا في سفرنا أودية تحف بها جبال شاهقة بحيث يمكن أن يتعرض من يعبرها للهلاك من جراء الحجارة التي تلقى من أعلى الجبل (١) ، ومع ذلك لم نصادف الأعداء ؛ ولعل ذلك يعود على الأرجح
__________________
ما يطلب منها من جباية ومغارم ، تحولت الحملات الفصلية (المحلات) إلى غارات مفاجئة على مواطن تلك القبائل والعشائر ، غالبا ما تنتهي بالاستيلاء على ما تجده أمامها من محاصيل ومواشي ، كما ذكر صاحب الرحلة ، وهذا ما أساء إلى العلاقة بين حكام الجزائر وسكان الريف ، بل تسبب في حركات تمرد واسعة النطاق ميزت الفترة الأخيرة من الحكم العثماني بعد أن شحت مصادر الجهاد البحري وتحول الحكام إلى الداخل للحصول على المزيد من المداخيل العينية ، فتراجعت بذلك الزراعة وتحول قسم كبير من السكان إلى الجهات الجبلية الحصينة وبعضهم حول إلى المناطق السهبية لممارسة الرعي وذلك حتى يسهل عليهم تجنب الحملات الفصلية (المحلات) التي غالبا ما تتسبب في إفقارهم وحرمانهم من مصادر رزقهم
(١) يعرف هذا الوادي اليوم بخانق الأخضرية (باليسترو) الذي يشكله نهر يسر (طوله ٢٢٠ كلم) عند عبوره المناطق الجبلية بين بلاد القبائل وجهات التيطري ، ويكون بذلك ممرا طبيعيا يصل إقليم مدينة الجزائر (دار السلطان) بالجهات الداخلية ، يمر عبره الطريق السلطاني نحو الشرق والرابط بين مدينتي الجزائر وقسنطينة ، ويحرسه برج حمزة ، ويقيم بجواره فرسان مخزن الزواتنة ؛ وهذا الطريق رغم أهميته يتميز بخطورته وقد ينقطع أثناء