ولكنها لم تلبث بعد ذلك أن أنزلت ذلك العلم ورفعت بدله علم مالطة وقامت بإطلاق قذيفة مدفعية قبل أن تتراجع بعيدا داخل البحر ، وهذا ما أحدث فوضى عارمة في المدينة ، إذ اعتبرت هذه الحادثة بمثابة إعلان حرب أو إنذار بقدوم الأسطول الإسباني.
قامت حكومة الداي بكل الاستعدادات الممكنة للدفاع عن المدينة ، فأجلت عنها السكان الذين قد يصبحون عبثا ثقيلا عليها في حالة الحصار ، وتأكدت من امتثال القبائل الجبلية للطاعة واستعدادهم لتقديم العون ، ووزعت مجموعات الجند على الحصون. وقد تبين لنا من تلك الإجراءات أن الجزائريين لا تنقصهم الرغبة في الدفاع وأن لهم من الإمكانيات ما يجعلهم يقاومون مقاومة شديدة ؛ ولذا يجب علينا أن ننصف هذا الشعب وخاصة الحامية التركية ، فنعترف بأنهم يستميتون من أجل الدفاع عن أنفسهم ويستبسلون عند التصدي لأي هجوم يتعرضون له ، وهذا ما أكسبهم هيبة جعلت سكان الجبال كثيري العدد وذوي التسليح الجيد حسب طريقتهم يرتعدون خوفا أمام مجموعة قليلة العدد من الجند الجزائري الذين يأتون إلى مواطنهم لاستخلاص الضرائب منهم.
على أنه من المؤكد أن انعدام الطاعة في صفوف الجند ونقص التدريب على استعمال الأسلحة جعلت الجزائريين عاجزين عن التصدي لأي دولة أوربية ، فموقع مدينة الجزائر المتدرج نحو البحر جعلها عرضة للقنابل المدمرة.
وهذا ما حدث لها بالفعل سنة ١٦٨٣ عندما قصفها الفرنسيون من البحر (١).
__________________
(١) تميزت سياسة الملك لويس الرابع عشر بالعداء تجاه حكام الجزائر ، فشن الفرنسيون عدة حملات بحرية على مدينة الجزائر للتخلص من الإتاوات التي فرضت عليهم مقابل نشاطهم التجاري ، وكذلك من أجل فرض النفوذ الفرنسي بمياه البحر المتوسط الغربي.
ومن هذه الهجمات البحرية الفرنسية التي تسببت فيها سياسة لويس الرابع عشر العدوانية ضد الجزائر في النصف الثاني من القرن السابع عشر ، نذكر الهجمات التي حدثت في السنوات التالية : ١٦٦٣ بقيادة دوبوفور ، و ١٦٦٥ بقيادة كولبير ، و ١٦٨٢ بقيادة دوكين ،