على هذا الاختيار (١) ، وليس من الضروري أن يكون الباي من أصول تركية خالصة أي من أب وأم تركيين ؛ فالكراغلة وهم من آباء أتراك وأمهات عربيات وكذلك الأعلاج ذوو الأصول المسيحية لهم الحق أيضا في تولي هذا المنصب السامي.
ويوجد في مملكة تونس أيضا باشا تبعث به القسطنطينية ممثلا للسلطان ؛ ولكنه موظف شرفي فليس له صوت في الديوان ولا يتولى أية سلطة في الحكومة ، والباي يعتبره مجرد وزير مقيم للباب العالي بتونس. ومن مظاهر سيادة تونس أن مبعوثيها يحظون باستقبال جيد في البلاطات الأوربية ؛ ويعين لهذه المهام أشخاص ذو ومواهب ، خاصة وأن أغلب ضباط المملكة التونسية لهم إلمام باللغات الرئيسية للأمم الأوربية وأن اللغة الإيطالية الدارجة شائعة بتونس وهي تكاد تصبح لغة وطنية للبلد ، وهي بمستواها القريب من الإيطالية الفصحى قريبة الشبه بلغة الفرانكة المستعملة في الجزائر والتي نصف كلماتها إسبانية.
ويتصف أهل تونس عادة باللياقة ، فهم مهذبون جدا لاختلاطهم بالأوربيين ، وكبار القوم الذين أوكلت تربيتهم في الصغر للأسرى المسيحيين يحملون فكرة جيدة إلى حد ما عن الأوربيين ، وهذا ما جعلهم يحاولون أن يوفروا لنا كل أنواع الخدمات ، أما الآخرون فلهم نفس القيم والعادات المتبعة في الجزائر وإن كانت كيفية معاملتهم للأجانب تختلف كثيرا عما هو شائع في الجزائر ، فالجزائريون وإن كانوا مؤدبين مع المسيحيين إلا أنهم يتحفظون دائما في أسلوب تعاملهم مما ينم على الاعتزاز بالنفس وبالبرودة في التعامل
__________________
(١) ينطبق هذا الوضع على الجزائر ، بينما يختلف الوضع في تونس حيث فقد العنصر التركي تماسكه ولم يعد يحتكر السلطة التي أصبحت وراثية في الأسرة المرادية ثم الحسينية التي ارتبطت بالبلاد وتوارث أفرادها الحكم ، بينما أصبح الديوان بمثابة هيئة شرفية تجتمع في المناسبات وليس لها صلاحية تعيين موظفي الدولة.