لقد شاهدنا علي باشا وهو أخو الباي عندما كان في السجن بالجزائر والذي كان في فترة سابقة قد أعلن الحرب على أبيه بمساعدة من سكان الجبال والتحق بالجزائر طلبا للعون من حكومتها ، ولكنه وضع في السجن بطلب من أبيه باي تونس لأن هدايا الباي كانت أكثر تأثيرا على ديوان الجزائر من توسلات ابنه علي باشا (١). ومما يلاحظ في هذا الشأن أن أبناء الباي ليس لهم الحق في خلافة آبائهم في منصب الباي ، بل الجماعة الأقوى في الأوجاق هي التي تختار الشخص الذي ترتضيه ؛ ويتولى الديوان المصادقة
__________________
(١) عرفت إيالة تونس نزاعا محتدما أواخر القرن السابع عشر ، انتهى بالقضاء على حكم الأسرة المرادية (١١١٤ ه / ١٧٠٢ م) بعد أن تمكن الآغا إبراهيم الشريف إثر عودته من إستانبول من قتل الباي مراد الثالث الملقب ببوبالة وعقد صلح مع حكام الجزائر ، لكنه لم يلبث أن أسره الجزائريون ، فخلصت وظيفة الباي لحسين بن علي التركي مؤسس الأسرة الحسينية التي حكمت تونس من ١٧٠٥ ولم تنته إلا بإعلان الجمهورية بتونس ١٩٥٧ وقد فشل حسين بن علي في إقرار نظام متعارف عليه لتوريث الحكم ، مما أدى إلى حدوث نزاع مع ابن أخيه علي باشا تحول إلى حرب أهلية بين مؤيدين (الحسينية) وأنصار ابن أخيه (الباشية) ، الذي حرمه عمه حسين بن علي من ولاية العرش وعهد بها إلى ابنه من محظيته الجنوية ، وبعد سنة ونصف من النزاع المسلح اضطر علي باشا إلى الانسحاب إلى الجزائر.
وحتى يظل علي باشا في الجزائر ، عمل عمه حسين بن علي على استرضاء داي الجزائر كرد عبدي باشا ليبقي ابن أخيه محتجزا عنده مقابل إتاوة سنوية بقيمة ٠٠٠. ١٠ سكة ، لكن الجزائريين لم يلبثوا أن تدخلوا لصالح علي باشا (١١٤٨ ه / ١٧٣٥ م) ، مما مكنه من دخول تونس وإعلان نفسه بايا مكان عمه حسين بن علي الذي تحول إلى داخل تونس جلبا للأنصار ، وبعد خمس سنوات من النزاع (١١٥٣ ه / ١٧٤٠ م) ، ألحق به الأمير يونس بن علي باشا الهزيمة وانتهى أمره بالقتل واضطر ولداه محمد الرشيد وعلي إلى اللجوء إلى الجزائر ، وبذلك استتب الأمر لعلي باشا الذ حكم تونس حتى سنة ١١٦٩ ه / ١٧٥٦ م. أنظر : أحمد بن أبي الضياف ، المصدر نفسه ، الجزء الثاني.
وكذلك : محمد الصالح مزالي ، الوراثة على العرش الحسيني ، تونس ، الدار التونسية للنشر ، ١٩٦٩ ، ص ص. ٢٣ ـ ٢٥.