يطلق على رئيس الحكومة بمملكة تونس تسمية الباي وهو لقب عسكري يعرف به عادة قائد الجيش أو رئيس الفرق العسكرية المتجولة في الريف (المحلة) ، ولكون السلطة الحقيقية بيد ضباط الحامية أو الوجاق ، فإن الداي بتونس يخضع للباي (١) ، ويكلف برئاسة الديوان حسب الصلاحيات المحددة له ، ويليه في المنزلة الشرفية الكاهية وهو المكلف بتطبيق أحكام العدالة بحيث يقوم بتنفيذ الأحكام فورا ويتم الفصل في كل القضايا بسرعة ، وغالبا ما يكون العقاب ضربا بالعصا ، أما المسيحيون فيفصل في شؤونهم القناصل التابعون لهم ، بينما يتولى أمر اليهود أحد القضاة العارفين بشؤونهم.
يتألف ديوان مملكة تونس من الآغوات والبلوكباشيات والأوداباشيات ويرأسهم الداي أو الكاهية ، ويتداولون في المسائل العامة ويبدون رأيهم في القضايا الخاصة ، بينما يتولى السلطة الفعلية الباي الذي مضى على توليه الحكم سبعة عشر سنة ، وقد آلت إليه مقاليد الإيالة إثر اغتيال سلفه إبراهيم الشريف وهو في طريقه عائدا من الجزائر حيث كان أسيرا (٢). وهذا ما جعل هذا الباي في خوف دائم من أن يلقى مصير سلفه.
__________________
(١) وهذا عكس الجزائر حيث يتولى السلطة الداي الذي يختاره الديوان عادة ، بينما البايات يعينون من قبله لحكم المقاطعات الثلاث (البايليكات) ويقيمون بمراكزها : المدية وقسنطينة ومعسكر.
(٢) إبراهيم الشريف : تمكن من وضع حد نهائي لحكم الأسرة المرادية بتونس بعد أن قضى على الباي مراد الثالث الملقب ببوبالة في شهر محرم ١١١٤ ه / يونيو ١٧٠٢ م. عقد صلحا مع حكام الجزائر ليأمن تدخلاتهم ، وتقلد وظيفة الباي ، واكتسب لقب الداي ، ونال فرمان الباشوية من السلطان العثماني ، لكنه انتهج سياسة مواجهة مع حاكم طرابلس التي هاجمها وتراجع عنها بسبب تفشي الوباء بين جنوده ، ثم دخل في نزاع مع حكام الجزائر لإثبات ملكيته على جزيرة زنبرة التي أراد الباب العالي إلحاقها بالجزائر ، ووقع في الأسر مع أخيه ، فانهزم أمام جند الجزائر بقيادة الداي مصطفى باشا (ربيع الأول ١١١٧ ه / يونيو ١٧٠٥ م) بالقرب من الكاف. انتخب كبراء الجند وجماعة العلماء والأعيان بمدينة تونس خليفته حسين بن علي التركي لتولي حكم الإيالة التونسية وتأسيس حكم الأسرة الحسينية بها.