تبدأ من زغوان وهو مكان تتجمع فيه العديد من الينابيع مما يوفر كمية وفيرة من المياه تجلب إلى المدينة من مسافة خمسة أميال بطريقة تثير الاهتمام ؛ وهذا الأثر المعماري لم يبق محافظا على شكله بعد أن تهدمت أجزاء عديدة منه وزالت معالمها تماما بفعل عوادي الزمن وأثر الحروب وتخريب السكان الذين استعملوا حجارة أقواس الحنايا لبناء منازلهم وتشييد حصونهم ، ولم يبق منتصبا منه سوى بعض صفوف من الأقواس الكبرى والتي أعطتنا فكرة حقيقية عن طبيعة هذا المعلم الأثري ، فالحنايا كانت تربط ما بين الجبال في طريقها ويختلف ارتفاعها باختلاف عمق الأودية ، وقد قدرنا ارتفاع أحد الأقواس بتسعين قدما ، ووجدنا أن أجمل هذه الأقواس وأكثرها محافظة على شكلها الأول تقع على بعد ميلين إلى الشمال الشرقي من مدينة تونس ، وهي تقدم نموذجا حقيقيا للهندسة الرومانية يتطلب المعاينة المتفحصة لتناسب أبعاده ودقة بناء حجارته الضخمة المنحوتة والشاهقة الارتفاع ولصلابة المواد التي بنيت منها القناة التي تحملها وهي خليط من الجبس والرمل والآجر.
وبالقرب من هذه الحنايا شاهدنا بناء تدل كل مظاهره على أنه يرجع إلى فترة حديثة نسبيا وهو يشتمل على تجويف تحت الأرض طوله مائة قدم وعرضه ثلاثون وعلوه خمسون ، ينزل إليه بواسطة سلم يتكون من عشرين درج ، على أن وجود النتوءات الكلسية (Stalactites) التي لا حظنا عددا كبيرا منها يحملنا على الاعتقاد بأن هذا البناء المغمور في الأرض كان يستخدم فيما مضى كخزان ماء. وبعد هذه المشاهدات كان لزاما علينا تأجيل زيارة آثار قرطاج إلى أن يحين وقت التحاقنا بالسفينة التي تقلنا نحو طرابلس.
__________________
إصلاحها ، قبل أن يعتني بها السلطان الحفصي المستنصر ويدخل عليها تحويرا من حيث مواد وهندسة البناء في القرن الثالث عشر حتى تصبح صالحة لنقل الماء إلى مدينة تونس ، مع العلم بأن هذه الحنايا الرومانية قد تعرضت للاندثار إلا أن أجمل وأعلى أقواسها ما زالت حتى اليوم قائمة في موقع الودنة.