جبال ، وأن موقعها عبارة عن شبه جزيرة وهذا ما عزز قوتها.
لقد كانت مدينة قرطاج في الماضي تهيمن على الشمال الإفريقي وعلى إسبانيا وقسم من إيطاليا ، وقد اشتهرت بقوتها البحرية بفضل انتصارات حنبعل على الرومان ، لكنها تعرضت للدمار الشامل لتبنى مدينة تونس وحصنها (حلق الوادي) من أنقاضها (١) ، ولعل الصهاريج التي لا تزال ماثلة حتى الآن من بين
__________________
(١) قرطاج : تقع على الشاطئ الغربي لخليج تونس ، أسست حسب الأسطورة المتداولة عندما استقرت بموقعها علسة أو ديدون مع مهاجرين من مدينة صور سنة ٨١٤ ق. م. ، فعرفت ب" قرط حدشت" أي المدينة الحديثة ، نتيجة تنافس ضمن الأسرة الحاكمة بصور على عهد الملك بيغماليون. واستقلت بشؤونها ، ومع حلول القرن الخامس قبل الميلاد كونت مستعمرات لها بغرب المتوسط من صقلية وحتى إسبانيا ، وتوسعت في الداخل وفرضت نفوذها على الممالك النوميدية ، وحاولت فرض سلطتها على التجمعات الإغريقية بصقلية ، لكنها واجهت قوة روما الناشئة ودخلت معها في صراع مرير عرف بالحروب البونية التي مرت بثلاثة أطوار وهي : الحرب البونية الأولى (٢٦٤ ـ ٢٤١ ق. م.) ، انتهت بجلاء قرطاج عن صقلية وسردينيا وكورسيكا ، والحرب البونية الثانية (٢١٨ ـ ٢٠٢ ق. م.) التي اشتهر فيها القائد القرطاجي حنبعل ، الذي خسر هذه الحرب في معركة زاما ، وأصبحت بذلك قرطاج تحت رحمة روما التي استعدت عليها حليفها الملك النوميدي ماسينيسا ، والحرب البونية الثالثة (١٤٩ ـ ١٤٦ ق. م.) التي طبقت فيها مقولة خطيب مجلس الشيوخ الروماني كاتون (Caton) " لا بد من تخريب قرطاج" ، وبعد مقاومة للحصار الروماني لمدة ثلاث سنوات تمكن القائد الروماني سيبيون الإميلي بأمر من مجلس الشيوخ الروماني من تدمير قرطاج وإزالة معالمها.
اضطر الرومان بعد فترة إلى إعادة تعمير قرطاج لموقعها الإستراتيجي ، فسارع قيصر إلى إنشاء مدينة رومانية مكانها (٤٤ ق. م.) ، ونجح بعده الإمبراطور أغسطس في إعادة الحياة لها ، فأصبحت بعد مدة العاصمة الإدارية والثقافية لإفريقيا الرومانية ، وغدت مركز الديانة المسيحية بإفريقيا منذ أواخر القرن الثاني الميلادي ، ثم اتخذ منها الوندال عاصمة لدولتهم بإفريقيا (٤٣٩) ، وجعلها البيزنطيون ، بعد طرد الوندال من إفريقيا (٥٣٤) ، مقرا لحكمهم وقاعدة لأسطولهم. لقد تراجع عمران قرطاج وتضاءل سكانها منذ القرن الرابع الميلادي ، ولم يعد لها دور بعد فتح المسلمين لها (٦٩٢) واتخاذ تونس قاعدة بحرية لهم ، فغدت مجرد أنقاض تستعمل حجارتها في تعمير مدينة تونس القريبة منها والتي أصبحت بمثابة بديل لها ، وتحولت إلى ميدان تنقيب أثري منذ بدأه فلوبير (Flaubert) (١٨٥٧) بموقع سالامبو (Salammbo)