أنقاضها تمكننا من أخذ فكرة عن الهندسة المعمارية للقرطاجيين. وهذه الصهاريج تتكون من ستة عشر تجويفا تحت الأرض تتجمع فيها المياه التي تحملها إليها قنوات عديدة ، وقد لاحظنا أن هناك مكانا في هذه البناءات الموجودة تحت الأرض يصدر منه صدى أكثر مما هو متوقع ، فطلقة البندقية تحدث به صدى كدوي الرعد لكون المنطقة المجاورة له مجوفة ولكون باطنها محفور كله تقريبا. هذا وقد أبقى الزمن على أعمدة وقباب ومخازن أسفل الأرض لمتانة بنيانها بحيث قاومت كل أعمال التخريب التي كانت البلاد نهبا لها. وقد انتفع سكان البلاد من هذه المعالم الماثلة ، فاتخذوها مساكن لهم تحت الأرض كالفئران. أما النواحي المجاورة لهذه الآثار فقد بدت لنا وكأنها زرعت بحجارة صغيرة من مختلف الألوان كانت تشكل في الماضي جزءا من فسيفساء بلاطات المنازل ؛ كما يوجد في هذا الموقع بعض الجرار الجميلة المصنوعة من الرخام السماقي (Porphyre) والتي استعملت بلا شك في تزيينها بعض العلامات المميزة ، وكذلك بعض الأعمدة المهشمة أو المحطمة والتي رأينا أحدها وهومن الرخام ملقى على الأرض بالقرب من قناة حلق الوادي ، فشد انتباهنا لصناعته المتقنة والدقيقة وألوانه العجيبة. ولم يكن من السهل علينا ونحن وسط هذه الأنقاض أن نحدد مكان ميناء قرطاج القديم لأن ساحل البحر كله أصبح مغطى بالحجارة.
بعد أن عاينا القليل مما تبقى من معالم قرطاج وجمعنا بعض النباتات والبذور ، ركبنا السفينة التي كانت في انتظارنا وبقينا نترقب ريحا تساعدنا على الإبحار ومغادرة خليج تونس الذي يمتد أمامنا على مسافة عشرين ميلا حتى رأس الطيب. وفي الأخير حاول ربان السفينة استغلال ريح جنوبية شرقية ومع كونها غير ملائمة كثيرا للإبحار إلا أنها دفعت السفينة خارج الميناء ، وذلك لأن قبطان السفينة وكان فرنسيا لم يكن يرغب في انتظار ريح أكثر ملاءمة خشية أن يتأخر إقلاع السفينة ، لأنه في هذه الحالة يضطر إلى إرجاء سفره إذا صادف إقلاعه خروج أحد القراصنة ؛ فقد جرت العادة أن يفرض القراصنة