من كان معه ، فرفعت بهذه المناسبة التحية لشخص جلالته (ملك بولونيا) بإطلاق إحدى وعشرين طلقة من مدافع الحصن ، تبعتها مجموعة طلقات بنادق أداها جنود الحامية وهم في حالة استعداد عسكري تام. وشاركنا في احتفالنا هذا كل سكان حصن رأس نيغرو ، وأنهينا يومنا البهيج بموسيقى موريسكية رقص على أنغامها رجالنا وهذا ما جعلنا ننسى كل الصعوبات التي تعرضنا لها وامتلكنا شعور ببداية حياة جديدة خاصة وأن مرافقينا قد استرجعوا صحتهم وبدأنا للتو في الاستعداد للسفر إلى مدينة تونس.
لقد علمنا ونحن في رأس نيغرو أن الإسبان حققوا نجاحا كاملا في حملتهم على وهران ، وأنه من غير الممكن وصف غيظ وغضب الأهالي ومدى شدة حقدهم على المسيحيين عندما بلغهم خبر استيلاء الإسبان على وهران ، فاعتبرنا أنفسنا سعداء جدا أن نكون في منأى عن كل هذه الأخطار ، لأنه في كل الحالات يعتبرنا الأهالي منحازين إلى الجانب المعادي لهم ، وفي وهران نفسها قتل بعض العوام مستشار قنصلية فرنسا ولم يحل دون تعرض باقي الأجانب بها لنفس المصير سوى لجوؤهم إلى منزل القنصل الإنكليزي.
وفي هذه الظروف التي قتل فيها كثير من العرب ، لم يكن التونسيون يختلفون في شعورهم عن الجزائريين مع أن مصالحهم مختلفة ، فقد وقفوا في هذه الكوارث التي حلت بالمسلمين في عمومهم نفس موقف الجزائريين ، فحاولوا الرد عليها بالانتقام من المسيحيين كلما أمكن لهم ذلك ؛ فسكان نواحي رأس نيغرو كانوا أشد هيجانا ضدنا حيث ظنوا أن إطلاق المدافع من الحصن الذي سبقت الإشارة إليه كان تعبيرا عن احتفالنا باستيلاء الإسبان على وهران.
عرف رأس نيغرو بهذا الاسم نظرا للون صخوره الداكنة أو كناية عن حالات الغرق الكثيرة التي تحدث عنده غالبا ، وهو يقع على خط عرض ٣٤ ٣٦ خ شمال خط الاستواء ، وقد بناه أول مرة الجنويون والإنكليز ، ثم أصبح ضمن احتكار الفرنسيين سنة ١٦٨٣ ، فشيدوا به حصنا مهيئا لنصب المدافع المأخوذة من حطام السفن التي تعرضت للغرق بالقرب منه. وأصبح مركزا