طريقنا على مناجم الرصاص (١) ، ورأينا أن العاملين فيها لهم مقدرة على معالجة المعدن ، فقد اعتادوا على سحق فلزاته وتذويبها. وشد انتباهنا هناك منظر منبع ماء معدني غير بعيد عن تلك المناجم ، مذاقه طيب وحرارته معتدلة. وقد تبين من اللون الأصفر لأكوام الكلس العديدة ومن طعم الماء أن مياه هذا المنبع بها تكوينات حديدية ، وفي هذه المرة كان علينا أن نبحث عن نبع ماء عادي منعش بدلا من نبع المياه المعدنية هذا ، لأن الحرارة الشديدة في هذا اليوم جعلت الماء الذي نحمله غير سائغ للشراب.
وبعد أن استرحنا بعض الوقت تحت ظل الأشجار ، ممتعين أبصارنا بأشجار الرمان الكثيرة والمحملة بثمارها التي لم تنضج بعد ، أجهدنا أنفسنا في السير للوصول إلى رأس نيغرو قبل حلول الليل ، وقد لاحظنا أثناء الطريق أن هناك ثقوبا مربعة محفورة في الصخور وهي من الكبر بحيث يمكن الجلوس والنوم فيها دون الوقوف ، ونظرا لتماسك الصخر وصلابته الشديدة فإن مثل هذه الثقوب لا بدّ أن تكون قد استعملته في نعتها أدوات حديدية ، وسكان هذه الجهة حسبما أبلغنا دليلنا يعتقدون أنها كانت مساكن للرهبان وقد رأينا ما يشبهها على شاطئ البحر قرب طبرقة.
وبعد الرجوع إلى رأس نيغرو قررت أن أمكث به لبضعة أيام بعد أن أصاب المرض الجماعة المصاحبة لي ، وهذا المرض أمر عادي لا يمكن تجنبه غالبا أثناء اشتداد الحر ، فضلا على أني لا أستطيع فعل شيء في مدينة تونس قبل وصول الباي إليها ؛ وصادف ذلك أنني كنت أرغب في الاحتفال مع رفاق السفر بعيد ملكنا وهو الموافق لليوم الثالث من شهر أغسطس ، وكان من دواعي سرورنا أن ينضم إلينا السيد صوري (M.Soret) حاكم المركز وكل
__________________
(١) تقع مناجم الرصاص والزنك بمنطقتي سجنان وتامرا ، وهي تبعد بحوالي ١٢٠ كلم عن مدينة تونس ، بينما المسافة بين تامرا ورأس نيغرو تقدر ب ٢٠ كلم تحف بها غابات الفلين الكثيفة.