فأمسك أبو عبد الله. فلم يزل يجري علينا حتّى مات المتوكّل.
وجرى بين أبي عبد الله وبين أبي في ذلك كلام كثير ، وقال : يا عمّ ، ما بقي من أعمارنا؟ كأنّك بالأمر قد نزل بنا ، فالله الله فإنّ أولادنا إنّما يريدون يتأكّلون بنا ، وإنّما هي أيام قلائل. لو كشف للعبد عمّا قد حجب عنه لعرف ما هو عليه من خير أو شرّ ، صبر قليل وثواب طويل ، وإنّما هذه فتنة.
قال أبي : فقلت : أرجو أن يؤمنك الله ممّا تحذر.
قال : فكيف وأنتم لا تتركون طعامهم ولا جوائزهم ، لو تركتموها لتركوكم.
وقال : ما ننتظر؟ إنّما هو الموت ، فإمّا إلى جنّة وإمّا إلى نار ، فطوبى لمن قدم على خير.
قال أبي : فقلت له : أليس قد أمرت ، ما جاءك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس أن تأخذه.
قال : قد أخذت مرّة بلا إشراف نفسي فالثانية والثالثة ، فما بال نفسك ألم تستشرف؟
فقلت : ألم يأخذ ابن عمر وابن عبّاس؟
فقال : ما هذا وذاك؟
وقال : لو أعلم أنّ هذا المال يؤخذ من وجهه ولا يكون فيه ظلم ولا حيف لم أبال.
قال حنبل : فلمّا طالت علّة أبي عبد الله كان المتوكّل يبعث بابن ماسويه المتطبّب فيصف له الأدوية ، فلا يتعالج ، ودخل المطبّب على المتوكّل فقال : يا أمير المؤمنين ، أحمد ليست به علّة في بدنه ، إنّما هو من قلّة الطّعام والصّيام والعبادة.
فسكت المتوكّل.
وبلغ أمّ المتوكّل خبر أبي عبد الله ، فقالت لابنها : أشتهي أن أرى هذا الرجل.
فوجّه المتوكّل إلى أبي عبد الله يسأله أن يدخل على ابنه المعتزّ ويسلّم