عليه ويدعو له ويجعله في حجره. فامتنع أبو عبد الله من ذلك ، ثم أجاب رجاء أن يطلق وينحدر إلى بغداد.
فوجّه إليه المتوكّل خلعة ، وأتوه بدابّة يركبها إلى المعتزّ ، فامتنع ، وكانت عليها مثيرة نمور. فقدّم إليه بغل لرجل من التّجّار فركبه ، وجلس المتوكّل مع أمّه في مجلس من المكان ، وعلى المجلس ستر رقيق. فدخل أبو عبد الله على المعتزّ ، ونظر إليه المتوكّل وأمّه ، فلمّا رأته قالت : يا بنيّ ، الله الله في هذا الرجل ، فليس هذا ممّن يريد ما عندكم ، ولا المصلحة أن تحبسه عن منزله ، فأذن له فليذهب.
فدخل أبو عبد الله على المعتزّ فقال : السّلام عليكم ، وجلس ولم يسلّم عليه بالإمرة.
قال : فسمعت أبا عبد الله بعد ذلك ببغداد يقول : لمّا دخلت عليه وجلست قال مؤدّب الصّبيّ : أصلح الله الأمير ، هذا الّذي أمره أمير المؤمنين يؤدّبك ويعلّمك.
فردّ عليه الغلام وقال : إن علّمني شيئا تعلّمته.
قال أبو عبد الله : فعجبت من ذكائه وجوابه على صغره. وكان صغيرا.
قال : ودامت علّة أبي عبد الله وبلغ الخليفة ما هو فيه ، وكلّمه يحيى بن خاقان أيضا وأخبره أنّه رجل لا يريد الدّنيا. فأذن له بالانصراف. فجاء عبيد الله ابن يحيى وقت العصر فقال : إنّ أمير المؤمنين قد أذن لك ، وأمر أن تفرش لك حرّاقة تنحدر فيها.
فقال أبو عبد الله : اطلبوا لي زورقا فأنحدر فيه السّاعة.
فطلبوا له زورقا فانحدر فيه من ساعته.
قال حنبل : فما علمنا بقدومه حتّى قيل لي إنّه قد وافى ، فاستقبلته بناحية القطيعة ، وقد خرج من الزّورق ، فمشيت معه فقال لي : تقدّم لا يراك النّاس فيعرفوني.
فتقدّمت بين يديه حتّى وصل إلى المنزل ، فلمّا دخل ألقى نفسه على قفاه