وعن المرّوذيّ قال : أنبهني أبو عبد الله ذات ليلة وكان قد واصل ، فإذا هو قاعد فقال : هو ذا يدار بي من الجوع ، فأطعمني شيئا ، فجئته بأقلّ من رغيف ، فأكله وقال : لو لا أنّي أخاف العون على نفسي ما أكلت.
وكان يقوم من فراشه إلى المخرج ، فيقعد يستريح من الضّعف من الجوع حتّى أن كنت لأبل الخرقة فيلقها على وجهه لترجع إليه نفسه ، حتّى وأوصى من الضعف من غير مرض ، فسمعته يقول عند وصيّته ونحن بالعساكر ، وأشهد على وصيّته :
هذا ما أوصى به أحمد بن محمد ، أوصى أنّه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده ورسوله ، وذكر ما يأتي.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : مكث أبي بالعساكر عند الخليفة ستّة عشر يوما ، ما ذاق شيئا إلّا مقدار ربع سويق ، ورأيت ما في عينيه قد دخلا في حدقتيه (١).
وقال صالح بن أحمد : وأوصى أبي بالعساكر هذه الوصيّة :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) هذا ما أوصى به أحمد بن محمد بن حنبل :
أوصى أنه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون.
وأوصى من أطاعه من أهله وقرابته أن يعبدوا الله في العابدين ، ويحمدوه في الحامدين ، وأن ينصحوا لجماعة المسلمين. وأوصي أنّي قد رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيّا. وأوصي أن لعبد الله بن محمد المعروف بفوزان عليّ نحوا من خمسين دينارا ، وهو مصدّق فيما قال ، فيقضى ما له عليّ من غلّة الدّار إن شاء الله ، فإذا استوفي أعطي ولد صالح وعبد الله ابني أحمد بن محمد بن حنبل ، كلّ ذكر وأنثى عشرة دراهم بعد وفاء مال أبي محمد.
شهد أبو يوسف ، وصالح ، وعبد الله بن أحمد.
__________________
(١) حلية الأولياء ٩ / ١٧٩ وفيه : «ورأيت موقيه دخلتا في حدقتيه».