الوركانيّ جار أحمد بن حنبل يقول : يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنّوح في أربعة أصناف : المسلمين واليهود والنّصارى والمجوس. وأسلم يوم مات عشرون ألفا من اليهود والنّصارى والمجوس (١).
وفي لفظ عن ابن أبي حاتم : عشرة آلاف (٢).
وهي حكاية منكرة لا أعلم رواها أحد إلّا هذا الوركانيّ ، ولا عنه إلّا محمد بن العبّاس ، [تفرّد بها ابن أبي حاتم ، والعقل يحيل أن يقع مثل] (٣) هذا الحادث في بغداد ولا يرويه جماعة تتوفّر هممهم ، ودواعيهم على نقل ما هو دون ذلك بكثير. وكيف يقع مثل هذا الأمر الكبير ولا يذكره المرّوذيّ ، ولا صالح بن أحمد ، ولا عبد الله بن أحمد بن حنبل الّذين حكوا من أخبار أبي عبد الله جزئيات كثيرة لا حاجة إلى ذكرها. فو الله لو أسلم يوم موته عشرة أنفس لكان عظيما ، ولكان ينبغي أن يرويه نحو من عشرة أنفس.
وقد تركت كثيرا من الحكايات ، إمّا لضعفها ، وإمّا لعدم الحاجة إليها ، وإمّا لطولها.
ثمّ انكشف لي كذب الحكاية بأنّ أبا زرعة قال : كان الوركانيّ ، يعني محمد بن جعفر ، جار أحمد بن حنبل وكان يرضاه.
وقال ابن سعد ، وعبد الله بن أحمد ، وموسى بن هارون ، مات الوركانيّ في رمضان سنة ثمان وعشرين ومائتين. فظهر لك بهذا أنّه مات قبل أحمد بدهر ، وكيف يحكي يوم جنازة أحمد ، رحمهالله؟
قال صالح بن أحمد : جاء كتاب المتوكّل بعد أيّام من موت أبي إلى ابن طاهر يأمره بتعزيتنا ، ويأمر بحمل الكتب. فحملتها وقلت : إنّها لنا سماع ، فتكون في أيدينا وتنسخ عندنا.
فقال : أقول لأمير المؤمنين.
__________________
(١) حلية الأولياء ٩ / ١٨٠ ، تاريخ بغداد ٤ / ٤٢٣.
(٢) حلية الأولياء ٩ / ١٨٠.
(٣) في الأصل بياض ، والإستدراك من نسخة أياصوفيا.