تذاكرنا الكبر ، فأخذ يذمّه ويتبرّأ منه. ثمّ سجد وعفّر وجهه بالتّراب ، ونثر من التّراب على رأسه ولحيته وقال : إنّما أنا عبد.
فتطيّرت له من التّراب. ثمّ جلس للشّرب ، وعمل فيه النّبيذ ، وغنّي صوتا أعجبه فبكى ، فتطيّرت من بكائه. فإنّا في ذلك إذ بعثت إليه قبيحة بخلعة استعملتها له درّاعة حمراء خزّ ، ومطرف خزّ ، فلبسها ، ثم [جذب المطرف فخرقه من طرفه إلى طرفه و] (١) قلعه وقال : اذهبوا به ليكون كفني.
فقلت : إنّا لله ، انقضت [والله المدّة ، وسكر المتوكّل] (٢) سكرا شديدا ، ومضى من اللّيل ثلاث ساعات ، إذ أقبل [باغر ومعه عشرة نفر من الأتراك] (٣) تبرق أسيافهم فهجموا علينا ، وقصدوا المتوكّل. وصعد منهم واحد إلى السّرير ، فصاح الفتح : ويلكم مولاكم. وتهارب الغلمان والجلساء والنّدماء على وجوههم ، وبقي الفتح وحده ، فما رأيت أقوى نفسا منه ، بقي يمانعهم ، فسمعت صيحة المتوكّل وقد ضربه باغر بالسّيف المذكور على عاتقه ، فقدّه إلى خاصرته ، وضربه آخر بالسّيف ، فأخرجه من ظهره ، وهو صابر لا يزول ، ثمّ طرح نفسه على المتوكّل ، فماتا ، فلفّا في بساط ، [وطرحا ناحية ، فلم يزالا في ليلتهما (٤)] وعامّة النهار ، ثمّ دفنا معا.
وكان بغا الصّغير قد استوحش من المتوكّل لكلام لحقه منه. وكان المنتصر يتآلف الأتراك لا سيّما من يبعده أبوه (٥).
قال المسعوديّ (٦) : ونقل في قتلته غير ما ذكرنا.
قال (٧) : وأنفق المتوكّل على الهارونيّ والجوسق والجعفريّ (٨) أكثر من مائتي ألف ألف درهم.
__________________
(١) في الأصل بياض ، وما بين الحاصرتين استدركته معتمدا على : مروج الذهب ٤ / ١٢٠ بتصرّف.
(٢) في الأصل بياض ، وما بين الحاصرتين استدركته من : مروج الذهب.
(٣) في الأصل بياض ، والمستدرك من : مروج الذهب.
(٤) في الأصل بياض ، والمستدرك من : مروج الذهب ٤ / ١٢١.
(٥) الخبر في : مروج الذهب ٤ / ١١٨ ـ ١٢١.
(٦) في المروج ٤ / ١٢١.
(٧) في المروج ٤ / ١٢٢.
(٨) أسماء قصوره.