ومن كلامه : ترك الدّنيا مع ذكرها صفة الزّاهدين. وتركها مع نسيانها صفة العارفين (١).
وقد كان الحارث كبير الشّأن قليل المثل ، لكنّه دخل في شيء يسير من الكلام ، فنقموه عليه.
قال أحمد بن إسحاق الصبغيّ الفقيه : سمعت إسماعيل بن إسحاق السّرّاج يقول : قال لي أحمد بن حنبل : يبلغني أنّ الحارث هذا يكثر الكون عندك ، فلو أحضرته منزلك وأجلستني من حيث لا يراني ، فأسمع كلامه.
فقصدت الحارث ، وسألته أن يحضرنا تلك اللّيلة ، وأن يحضر أصحابه.
فقال : فيهم كثرة ، فلا تزدهم على الكسب والتّمر.
فأتيت أبا عبد الله فأعلمته ، فحضر إلى غرفة واجتهد في ورده ، وحضر الحارث وأصحابه فأكلوا ، ثمّ صلّوا العتمة ، ولم يصلّوا بعدها ، وقعدوا بين يدي الحارث لا ينطقون إلى قرب نصف اللّيل. ثمّ ابتدأ رجل منهم ، فسأل عن مسألة ، فأخذ الحارث في الكلام ، وأصحابه يستمعون وكأنّ على رءوسهم الطّير ، فمنهم من يبكي ، ومنهم من يحنّ ، ومنهم من يزعق ، وهو في كلامه.
فصعدت الغرفة لأتعرّف حال أبي عبد الله ، فوجدته قد بكى حتّى غشي عليه ، فانصرفت إليهم. ولم تزل تلك حالهم حتّى أصبحوا [فقاموا وتفرّقوا] (٢) ، فصعدت [إلى أبي عبد الله وهو متغيّر الحال ، فقلت : كيف رأيت هؤلاء يا أبا عبد الله؟ فقال : ما أعلم] (٣) أنّي رأيت مثل هؤلاء القوم ، ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل ، ومع هذا فلا أرى لك صحبتهم. ثمّ قام وخرج.
رواها أبو عبد الله الحاكم ، عن الصبغيّ. (٤).
وقال سعيد بن عمرو البردعيّ : شهدت أبا زرعة ، وسئل عن الحارث
__________________
= طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٤١.
(١) الزهد الكبير للبيهقي ١٤٩ رقم ٣١٢ ، تاريخ بغداد ٨ / ٢١٣ ، تهذيب الكمال ٥ / ٢١١.
(٢) في الأصل بياض ، والإستدراك من : تاريخ بغداد ٨ / ٢١٥.
(٣) في الأصل بياض ، والإستدراك من تاريخ بغداد.
(٤) تاريخ بغداد ٨ / ٢١٤ ، ٢١٥ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٣٩ ، ٤٠.