قلت : ولأحمد قدم ثابت في العلم والحديث والزّهد والمواظبة.
ومن مناقبه : قال أبو الدّحداح الدّمشقيّ : نا الحسين بن حامد أنّ كتاب المأمون ورد على إسحاق بن يحيى بن معاذ أمير دمشق ، أن أحضر المحدّثين بدمشق فامتحنهم. فأحضر هشام بن عمّار ، وسليمان بن عبد الرحمن ، وعبد الله بن ذكوان ، وأحمد بن أبي الحواري ، فامتحنهم امتحانا ليس بالشّديد ، فأجابوا ، خلا أحمد بن أبي الحواري ، فجعل يرفق به ويقول : أليس السّماوات مخلوقة؟ أليست الأرض مخلوقة؟
وأحمد يأبى أن يطيعه. فسجنه في دار الحجارة ، ثمّ أجاب بعد ، فأطلقه.
وقال أحمد بن أبي الحواري : قال لي أحمد بن حنبل : متى مولدك؟
قلت : سنة أربع وستّين (١) ومائة.
قال : هي مولدي.
وقد ذكر السّلميّ في «محن الصّوفيّة» أحمد بن أبي الحواري فقال : شهد عليه قوم أنّه يفضّل الأولياء على الأنبياء ، وبذلوا الخطوط عليه. فهرب من دمشق إلى مكّة ، وجاور حتّى كتب إليه السّلطان يسأله الرجوع ، فرجع.
قلت : هذا من الكذب على أحمد ، رحمهالله ، فإنّه كان أعلم بالله من أن يقع في ذلك ، وما يقع في هذا إلّا ضالّ جاهل.
وقال السّلميّ في «تاريخ الصّوفيّة» : سمعت محمد بن جعفر بن مطر :
سمعت إبراهيم بن يوسف الهسنجانيّ يقول : رمى أحمد بن أبي الحواري بكتبه في البحر وقال : نعم الدّليل كنت. والاشتغال بالدّليل بعد الوصول محال (٢).
ثم قال السّلميّ : سمعت محمد بن عبد الله الطّبريّ : سمعت يوسف بن الحسين يقول : طلب أحمد بن أبي الحواري العلم ثلاثين سنة ، ثمّ حمل كتبه كلّها إلى البحر فغرّقها ، وقال : يا علم لم أفعل هذا بك استخفافا ، ولكن لمّا
__________________
(١) في أصل المخطوط : «أربع وتسعين» وهو غلط ، والصواب ما أثبتناه. (تهذيب الكمال ١ / ٣٧٤).
(٢) حلية الأولياء ١٠ / ٦ و ٧.