قال السّمعانيّ : وسمعت أبا روح الفرج بن أبي بكر الأرموي (١) مذاكرة يقول : سمعت أستاذي غانم الموشيليّ (٢). سمعت الإمام أبا المعالي الجوينيّ يقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام (٣).
وقال أبو المعالي الجوينيّ في كتاب «الرسالة النظامية» (٤) : اختلفت مسالك العلماء في الظّواهر التي وردت في الكتاب والسّنة ، وامتنع على أهل الحقّ اعتقاد فحواها (٥) ، وفرأى بعضهم تأويلها ، والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصحّ من السّنن. وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل ، وإجراء الظّواهر على مواردها ، وتفويض معانيها إلى الرّب تعالى.
والّذي نرتضيه رأيا ، وندين الله به عقدا اتباع سلف الأمة ، فالأولى الاتباع وترك الابتداع ، والدليل السّمعيّ القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة
__________________
= «قلت : هذه لفظة ملعونة» ، فنقول : لعن الله قائلها. وأما قوله : قال ابن دحية ، إلى آخر ما حكاه عنه ، فنقول : هل يحتاج مثل هذه المقالة إلى كلام ابن دحية ، ولو قرأ الرجل شيئا من علم الكلام لما احتاج إلى ذلك فلا خلاف بين المسلمين في تكفير منكري العلم بالجزئيات ، فمن نقل له ذلك؟ وفي أي كتاب رآه؟ وأقسم بالله يمينا بارة أن هذه مختلفة على القشيري ، وكان القشيري من أكثر الخلق تعظيما للإمام ، وقدمنا عنه عبارة المدرجوركية وهي قوله في حقّه لو ادّعى النبوة لأغناه كلامه عن إظهار المعجزة. وابن دحية لا تقبل روايته فإنه متهم بالوضع على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما ظنّك بالوضع على غيره؟ ...
... وبالجملة لا أعرف محدّثا إلا وقد ضعف ابن دحية وكذبه ، لا الذهبي ولا غيره ، وكلّهم يصفه بالوقيعة في الأئمة والاختلاق عليهم ، وكفى بذلك. وأما قوله : وبقي بسببها مدّة مجاورا ومات. فمن البهت ، لم ينف الإمام أحد ، وإنما هو خرج ومعه القشيري وخلق في واقعة الكندري التي حكيتها في ترجمة الأشعري ، وفي ترجمة أبي سهل بن الموفّق ، وهي واقعة مشهورة خرج بسببها الإمام ، والقشيري ، والحافظ البيهقي ، وخلق كان سببها أن الكندري أمر بلعن الأشعري على المنابر ليس غير ذلك ، ومن ادّعى غير ذلك فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا. (٣ / ٢٦٢).
(١) الارموي : بضم الألف وسكون الراء وفتح الميم وفي آخرها الواو. هذه النسبة إلى أرمية وهي من بلاد أذربيجان. (الأنساب ١ / ١٩٠).
(٢) الموشيليّ : بضم الميم ، وسكون الواو ، وكسر الشين المعجمة ، وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها ، وفي آخرها اللام. هذه النسبة إلى موشيلا وهو كتاب للناصري ، واسم من أسماء الله بلسانهم. وغانم هذا هو : أبو الغنائم غانم بن الحسين الموشيلي الأرموي ، فقيه فاضل ورع مفت مناظر توفي سنة ٥٢٠ ه. وكان جدّه نصرانيا. (الأنساب ١١ / ٥٢١).
(٣) سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٧٣.
(٤) طبعت باسم «العقيدة النظامية» ، بتحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري ١٣٦٧ ه. ١٦٤٨ م.
(٥) في «النظامية» زيادة : «وإجراؤها على موجب ما تبرزه أفهام أرباب اللسان منها». ص ٢٣.