وهو مستند معظم الشّريعة. وقد درج صحب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على ترك التّعريض لمعانيها ، ودرك ما فيها ، وهم صفوة الإسلام المستقلّون بأعباء الشّريعة. وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملّة ، والتّواصي بحفظها ، وتعليم النّاس ما يحتاجون إليه منها ، فلو كان تأويل هذه الظّواهر مسوغا أو محتوما ، لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشّريعة ، فإذا تصرّم عصرهم وعصر التّابعين على الإضراب عن التّأويل ، كان ذلك قاطعا بأنّه الوجه المتبع ، فحقّ على ذي الدين أن يعتقد تنزه الباري تعالى عن صفات المحدثين ، ولا يخوض في تأويل المشكلات ، ويكل معناها إلى الرّبّ (١) ، فليجر آية الاستواء والمجيء وقوله : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (٢) ، (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) (٣) ، و (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (٤) ، وما صحّ من أخبار الرسول كخبر النّزول وغيره على ما ذكرناه (٥).
وقال محمد بن طاهر الحافظ : سمعت أبا الحسن القيروانيّ الأديب بنيسابور ، وكان يسمع معنا الحديث ، وكان يختلف إلى درس الأستاذ أبي المعالي الجويني ، ويقرأ عليه الكلام ، يقول : سمعت الأستاذ أبا المعالي اليوم يقول : يا أصحابنا ، لا تشتغلوا بالكلام ، فلو عرفت أنّ الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به (٦).
وحكى أبو عبد الله الحسن بن العباس الرّستميّ فقيه أصبهان قال : حكى
__________________
(١) في المطبوع من النظامية زيادة هنا : «وعند إمام القرّاء وسيدهم الوقف على قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) من العزائم ، ثم الابتداء بقوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، ومما استحسن من إمام دار الهجرة مالك بن أنس أنه سئل عن قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) فقال : الاستواء معلوم ، والكيفية مجهولة ، والسؤال عنه بدعة».
(٢) سورة ص ، الآية ٧٥.
(٣) سورة الرحمن ، الآية ٢٧.
(٤) سورة القمر ، الآية ١٤.
(٥) زاد في المطبوع من (النظامية) : «بهذا بيان ما يجب الله».
(٦) المنتظم ٩ / ١٩ (١٦ / ٢٤٥) وفيه : «فلو علمت أن الكلام يبلغ إلى ما بلغ ما اشتغلت به» ، بإسقاط كلمة «بي» : وهي في : طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٣ / ٢٦٠ وفيه قال السبكي : إنّا نشتبه أن تكون هذه الحكاية مكذوبة ، وابن طاهر عنده تحامل على إمام الحرمين ، والقيرواني المشار إليه رجل مجهول ، ثم هذا الإمام العظيم الّذي ملأت تلامذته الأرض لا ينقل هذه الحكاية عنه غير رجل مجهول ، ولا تعرف من غير طريق ابن طاهر ، إن هذا لعجيب ، وغالب ظني أنها كذبة فعلها من لا يستحيي.