عليك إلّا ما رجعت إلى مرو ، فإنّي لا أطيق فراقك.
قال : فانتبهت مغموما ، وقلت : أشاور الشّيخ سعد ، فمضيت إليه وهو قاعد في الحرم ، ولم أقدر من الزّحام أن أكلّمه ، فلما تفرّق النّاس وقام تبعته إلى داره ، فالتفت إليّ وقال : يا أبا المظفر ، العجوز تنتظرك. ودخل البيت.
فعرفت أنّه تكلّم على ضميري ، فرجعت مع الحاجّ تلك السنة (١).
قال أبو سعد : كان أبو القاسم حافظا ، متقنا ، ثقة ، ورعا ، كثير العبادة ، صاحب كرامات وآيات. وإذا خرج إلى الحرم يخلوا المطاف ، ويقبّلون يده أكثر ممّا يقبلون الحجر الأسود (٢).
وقال محمد بن طاهر : ما رأيت مثله ، سمعت أبا إسحاق الحبّال يقول : لم يكن في الدّنيا مثل أبي القاسم سعد بن عليّ الزنجانيّ في الفضل. وكان يحضر معنا المجالس ، ويقرأ الخطأ بين يديه ، فلا يردّ على أحد شيئا ، إلا أن يسأل فيجيب (٣).
قال ابن طاهر : وسمعت الفقيه هيّاج بن عبيد إمام الحرم ومفتيه يقول : يوم لا أرى فيه سعد بن عليّ لا أعتد أني عملت خيرا.
وكان هيّاج يعتمر ثلاث مرّات (٤). وسيأتي ذكره (٥).
قال ابن طاهر : كان الشيخ سعد لمّا عزم على المجاورة عزم على نيف وعشرين عزيمة أنّه يلزمها نفسه من المجاهدات والعبادات. ومات بعد أربعين
__________________
(١) انظر : مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ٩ / ٢٤٨ ، والخبر ليس في : تاريخ دمشق لابن عساكر ، ولعله من زيادات ابن منظور ، وتذكرة الحفاظ ٣ / ١١٧٤ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٨٥ ، ٣٨٦.
(٢) الأنساب ٦ / ٣٠٧ ، المنتظم ٨ / ٣٢٠ (١٦ / ٢٠١) ، تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٧٥.
(٣) انظر : تذكرة الحفّاظ ٣ / ١١٧٥ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٨٦ ، وهذا الخبر يتناقض مع الخبر السابق الّذي جاء فيه أن ابن طاهر جربه في الحفظ ، فكان يردّ في بعض الحديث ، ويسكت في بعضها ، ويقول : تركت بين فلان وفلان اسم ف* * *
(٤) أي يعتمر في اليوم ثلاث عمر. انظر : معجم البلدان ٣ / * * * ١١٧٥ ، وسير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٨٦.
(٥) في وفيات سنة ٤٧٢ ه. برقم (٦١).