حاربوا عبد المؤمن في سنة ثمان وأربعين ، فتحزّبوا عليه ، وهم بنو هلال ، وبنو الأثجّ ، وبنو عديّ وبنو رباح ، وغيرهم من القبائل ، وقالوا : لو جاورنا عبد المؤمن أجلانا وتحالفوا عليه. فبذل لهم رجار الفرنجيّ ملك صقلّيّة نجدة بخمسة آلاف مقاتل ، فقالوا : لا نستعين إلّا بمسلم. وساروا في عدد عظيم ، وسار جيش عبد المؤمن في ثلاثين ألفا ، عليهم عبد الله بن عمر الهنتانيّ. فالتقوا ، وانهزمت العرب ، وأخذت البربر جميع متاعهم ونسائهم وأطفالهم ، وأتوا بها عبد المؤمن ، فقسّم المتاع والمال ، وصان الحريم وأحسن إليهم ، وكاتب العرب واستمالهم ، وحلف لهم ، فأتوا مرّاكش ، فخلع عليهم ، وبالغ في إكرامهم.
ثمّ استخدمهم عبد المؤمن ، وأنزلهم بنواحي إشبيلية وشريش ، فهم باقون إلى وقتنا.
قال : وعبور عبد المؤمن إلى الأندلس في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. وكان قد كتب إلى أمراء هؤلاء العربان رسالة فيها أبيات قالها هو وهي :
أقيموا إلى العلياء هوج الرّواحل |
|
وقودوا إلى الهيجاء جرد الصّواهل |
وقوموا لنصر الدّين قومة ثائر |
|
وشدّوا على الأعداء شدّة صائل |
فما العزّ إلّا ظهر أجرد سابح |
|
وأبيض مأثور وليس بسائل (١) |
بني العمّ من عليا هلال ابن عامر |
|
وما جمعت من باسل وابن باسل |
تعالوا فقد شدّت إلى [الغزو نيّة] (٢) |
|
عواقبها منصورة بالأوائل |
هي الغزوة الغرّاء والموعد الّذي |
|
تنجّز من بعد المدى المتطاول |
بها نفتح الدّنيا بها نبلغ المنى |
|
بها ننصف التّحقيق من كلّ باطل |
__________________
(١) في (المعجب ٣٢٩) جعل هذا البيت بيتين :
فما العزّ إلّا ظهر أجود سابح |
|
يفوت الصبا في شدّه المتواصل |
وأبيض مأثور كأنّ فرنده |
|
على الماء منسوج ، وليس بسائل |
(٢) في الأصل بياض ، والمستدرك من : المعجب ، وسير أعلام النبلاء.