يخبره. فلمّا كان في آخر سنة ثلاث وخمسين تهيّأ عبد المؤمن لتونس ، وسار حتّى نازلها ، ثمّ افتتحها عنوة ، وفصل عنها إلى المهديّة ، وبها النّصارى أصحاب ابن الدّوقة ، وهي له ، ولكنّ نائبة بها يحيى بن حسن بن تميم بن المعزّ بن باديس ، فحاصرها عبد المؤمن أشدّ الحصار ، لأنّها حصينة إلى الغاية.
بلغني أنّ عرض سورها ممرّ ستّة أفراس ، وأكثرها في البحر ، فكانت الأمداد تأتيها في البحر من صقلّيّة. فأقام يحاصرها سبعة أشهر ، فنقل ابن الأثير (١) : نازل عبد المؤمن المهديّة ، فكانت الفرنج تخرج شجعانهم لقتال العسكر ويعودون ، فأمر ببناء سور من غربيّها ، وأحاط أسطوله بالبحر ، وركب عبد المؤمن في شيني ، ومعه الحسن بن عليّ بن باديس الّذي كان صاحبها ، وأخذتها الفرنج منه من سنوات ، فطاف بها في البحر ، فهال عبد المؤمن ما رأى من حصانتها ، وعرف أنّها لا تؤخذ بقتال ، وليس إلّا المطاولة ، فأمر بجلب الأقوات ، وترك القتال ، فلم يمض إلّا أيّام حتّى صار في العسكر كالجبلين من القمح والشّعير ، وكان من يجيء من بعيد يقول : متى حدثت هذه الجبال؟ فيقال : إنّما هي غلّة. وتمادى الحصار. وفي مدّته أخذ بالأمان سفاقس ، وبلد طرابلس ، وقصور إفريقية ، وافتتح قابس بالسّيف. وكانت عساكره تغير. وجاءت جيوش صاحب صقلّيّة ، لعنه الله ، فكانت مائتين وخمسين شينيّا ، فنصر الله عليهم أسطول عبد المؤمن.
قال عبد المؤمن : قال عبد الواحد : واشتدّ على جيشه الغلاء. بلغني عن غير واحد أنهم اشتروا سبع باقلّات بدرهم مؤمنيّ ، وهو نصف درهم ... (٢) ، ثمّ افتتحها بعد أن أمّن النّصارى على أن يلحقوا بصقلّية.
ثمّ جهّز إلى قابس من افتتحها ، ثمّ افتتح طرابلس الغرب. وأرسل إلى توزر وبلاد الجريد ، فافتتحت كلّها ، وأخرج الفرنج منها وألحقهم ببلادهم ،
__________________
(١) في الكامل ١١ / ٢٤١ ـ ٢٤٥ حوادث سنة ٥٥٤ ه.
(٢) في الأصل بياض.