وذكره أبو الفرج بن الجوزيّ (١) فقال : كان يجتهد في اتّباع الصّواب ، ويحذر الظّلم ، ولا يلبس الحرير. قال لي : لمّا رجعت من الحلّة دخلت على المقتفي ، فقال لي : ادخل هذا البيت وغيّر ثيابك. فدخلت فإذا خادم وفرّاش (٢) ومعهم (٣) خلعة حرير ، فقلت : والله ما ألبسها. فخرج الخادم فأخبر المقتفي فسمعت صوته يقول : قد والله قلت إنّه ما يلبس.
وكان المقتفي معجبا به ولمّا استخلف المستنجد دخل عليه فقال له : يكفي في إخلاصي أنّي ما حابيتك في زمن أبيك. فقال : صدقت.
قال : وقال مرجان الخادم : سمعت المستنجد بالله ينشد لوزيره وقد مثل بين يديه في أثناء مفاوضة ترجع إلى تقرير قواعد الدّين وإصلاح أمور المسلمين ، فأعجب المستنجد به ، فأنشده لنفسه :
صفت نعمتان خصّتاك وعمّتا |
|
فذكرهما حتّى القيامة يذكر (٤) |
وجودك والدّنيا إليك فقيرة |
|
وجودك والمعروف في النّاس ينكر (٥) |
فلو رام يا يحيى مكانك جعفر |
|
ويحيى لكفّا عنه يحيى وجعفر (٦) |
ولم أر من ينوي لك السّوء يا أبا المظفّر |
|
إلا كنت أنت المظفّر (٧) |
__________________
(١) في المنتظم ١٠ / ٢١٤ (١٨ / ١٦٦ ، ١٦٧).
(٢) في الأصل : «وأفرش».
(٣) في المنتظم : «ومعه».
(٤) هذا الشطر في ديوان ابن حيّوس : «حديثهما حتّى القيامة يؤثر».
(٥) في ديوان ابن حيّوس : «وجودك والمعروف في الخلق منكر».
(٦) المقصود هما الوزيران : يحيى بن خالد البرمكي ، وابنه جعفر بن يحيى ، وهما وزرا لها دون الرشيد.
(٧) الأبيات في المنتظم ١٠ / ٢١٤ (١٨ / ١٦٧) ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٢٧ ، ٤٢٨ ، وذيل طبقات الحنابلة ١ / ٢٦٠.
والبيتان الأوّلان ليسا لابن هبيرة بل هما لابن حيّوس الغنوي قالهما من قصيدة يمدح بها نصر بن محمود بن صالح بن مرداس أمير حلب ، مطلعها :
هل العدل إلّا دون ما أنت مظهر |
|
أو الخير إلّا ما تذيع وتضمر |
(انظر ديوان ابن حيّوس ـ بتحقيق خليل مردم بك ١ / ٢٦٩ و ٢٧٥).