__________________
= ونهض عضد الدين بأعباء الوزارة نهوضا مرضيا ، وفرّق في يوم جلوسه في دست الوزارة ذهبا كثيرا وحنطة على المقيمين بالمشاهد والجوامع والمدارس والرّبط ، وتلطّف بالأمور تلطّفا لم يكن في حساب الناس. وبيته مشهور بالرياسة يعرفون قديما ببيت الرفيل ، وكان ابن التعاويذي الشاعر البغدادي شاعرهم ومنقطعا إليهم وأنفق جلّ عمره معهم ، ولهم يخاطب بقوله :
قضيت شطر العمر في مدحكم |
|
ظنا بكم أنكم أهله |
وعدت أفنيه هجاء لكم |
|
فضاع فيكم عمري كلّه |
وله فيهم مدائح كثيرة ، فمن جملتها :
وما زلت في آل الرّفيل بمعزل |
|
عن الجور مبذولا لي الأمن والخصب |
فإن أقترف ذنبا بمدح سواهم |
|
فإنّ خماص الطير يقنصها الحبّ |
وإن عاد لي عطف الوزير محمد |
|
فقد أكثب النائي ولان لي الصّعب |
وزير إذا اعتلّ الزمان فرأيه |
|
هناء به تطلى خلائقه الجرب |
وما زال أمر عضد الدين يجري على السداد حتى عزله المستضيء وقبض عليه.
وصورة عزله : كان يوما جالسا في الدست فهجم عليه خادم من خدم الخليفة فقال له : قد استغني عنك! ثم أطبق دواته ودخل الأتراك والجند إلى دوره فنهبوا ما بها ، ودخل العوامّ أيضا وكسرت الصناديق الآبنوس والعاج بالدبابيس وأخذ جميع ما كان بها. فخرج عضد الدين وهو يتشاهد ويقول للأتراك : أما تستحيون مني! أما دخلتم داري! أما أكلتم زادي! فلم ينفعه ذلك. فلم يمض إلّا ساعة واحدة حتى صارت داره بلاقع ، ثم حمل إلى الحريم ووكل به هناك مدة ، ثم أعاده المستضيء إلى الوزارة وحكّمه وبسطه ، فصفت له الدنيا وعظم شأنه وكثرت خيراته وهباته وأحبّه الناس. وكان سخيّا وهوبا شريف النفس. قيل :
إنه ما اشترى لداره قطّ سكّرا بأقلّ من ألف دينار.
حدّث عنه بعض مماليكه قال : احتاج مرة إلى ألف دينار فأنفت نفسه أن يقترضها من أولاده أو من غيرهم ، وكان يأنس بي ، فقال لي : يا ولدي قد احتجت إلى ألف دينار أعيدها عليك بعد أيام. فقلت : السمع والطاعة يا مولاي. ثم مضيت وأحضرت له خمسة آلاف دينار. وقلت : يا مولاي ، هذه والله ، اكتسبتها منك ، فخذ منها ما شئت. فأطرق ساعة ، ثم قال : والله لا أخذت منها حبّة واحدة ، خذها وانصرف ، ثم أنشد :
والصاحب المتبوع يقبح أن يرى |
|
متتبّعا ما في يدي أتباعه |
ولم يزل أمره في الوزارة الثانية جاريا على السداد حتى كان آخر مدّته ، فطلب من الخليفة الإذن له في الحج ، فأذن له ، فتجهّز تجهّزا لم ير مثله. ثم عبر إلى الجانب الغربي من مدينة السلام ليتوجّه إلى الحلّة والكوفة ومنها إلى مكة ، وبين يديه جميع أرباب الدولة ، فلقيه رجل عند محلّة هناك تعرف بقطفتا ، فقال : يا مولانا مظلوم مظلوم وناوله قصّة ، فتناولها الوزير منه ، فوثب عليه وثبة عالية وضربه بسكّين في ترقوته ، ووثب عليه آخر من