يعرف صناعة الإنشاء ، فرأى بها القاضي الفاضل والعماد الكاتب وتلك الحلبة ، فعلم من نفسه أنّه ليس من طبقتهم ، فسلك سبيل الهزل ، وعمل المنامات المشهورة (١) ، والرسائل المعروفة. ولو لم يكن في ذلك إلّا المنام الكبير لكفاه ، فإنّه ما سبق إلى مثله.
قدم دمشق وأقام بها مديدة ، وبها توفّي في رجب.
وأمّا وهران فمدينة كبيرة على أرض القيروان بينها وبين تلمسان يومان.
بنيت سنة تسعين ومائتين.
ومن كلامه ، ممّا كتب به إلى القاضي الأثير : «فالخادم كلّما ذكر تلك المائدة الخصيبة ، وما يجري عليها من الخواطر المصيبة علم أنّ التخلّف عنها هو المصيبة. لكنّه إذا ذكر ما يأتي بعدها من القيام والقعود ، والركوع والسّجود ، علم أنّ هذا أجرة ما يأكله من تلك الوليمة ، نحو من عشرين تسليمة ، كلّ لقمة بنقمة ، فما تحصل الشّبعة إلّا بأربعين ركعة ، فيكون الدّعوة عليه لا له ، والحضور في الشّرطة أحبّ إليه منها له. فزهدت حينئذ في الوصول ، إذ ليس للخادم من الدّين ، ولا قوّة اليقين ، ما يهجز لأجله مؤاكلة الوجوه القمريّة ، بمشاهدة السّنّة العمرية. فموعد الإتمام انقضاء شهر الصّيام ، والسّلام».
وكتب رقعة إلى ابن القاسم العونيّ الأعور : يا مولاي الشّيخ الزّاهد ، دبّوس الإسلام ، لتّ الفقهاء ، قنطاريّة العلماء ، تافروت الأئمّة ، طبل باز السّنّة ، نصر الله خاطرك ، وستر ناظرك. أنت تعلم أنّ الله ما خلقك إلّا تلعة ، فكن في رقاب الرّافضة واليهود ، وما صوّرك إلّا لالكة في رءوس المبتدعة ، وأراذل الشّهود. وأنت بلا مرية جعموس عظيم ، ولكن في ذقون الزّائغين ، فالله ينفعك بالإسلام ، ولا يوقعك يوم القيامة في يد عليّ عليهالسلام ، وأن ينقذك من الهاوية ، بشفاعة معاوية.
__________________
(١) طبعت باسم «منامات الوهراني ومقاماته ورسائله» ، بتحقيق : إبراهيم شعلان ومحمد تغش. وصدرت عن دار الكاتب العربيّ للطباعة والنشر بالقاهرة ١٣٨٧ ه. / ١٩٦٨ م.