وله : وصل كتاب الأمير المولى تقيّ الدّين مصطفى أمير المؤمنين ـ أطال الله بقاءه ـ ، حتّى يتوب المخلص من القيادة ، وينقطع المعيديّ إلى العبادة ، بألفاظ أحسن من فتور الألحاظ ، ومعاني كترجيع المغاني. وكان ذلك أجمل في عيني من الرّوض غبّ السّحاب ، وألذّ من الصّفع بخفاف القحاب ، لا بل أحلى من مطابقة الزّامر للعوّاد ، وأشهى إلى النّفس من مواعيد القوّاد ، فطرب المملوك ولا طرب فلان الفلانيّ لما اجتمع بفلانة في دعوة فلان في المحرّم من هذه السّنة ، وغنّت له :
ما غيّر البعد ودّا كنت تعرفه |
|
ولا تبدّل بعد الذّكر نسيانا |
ولا ذكرت صديقا كنت آلفه |
|
إلّا جعلتك فوق الذّكر عنوانا |
فإنّه لمّا سمع ذلك قام وقعد ، وصاح ولطم ، وفتل شعر عنفقته ، وأدار شربوشه على رأسه ، وشقّ غلالته ، وجرى إلى الشّمعة ليحرق ذقنه بها ولم يزل يحلف بحياة الجماعة ، ليسكبنّ قدحه في سرّتها ، ويتلقّاه ويستقيه من بين أشفارها ، بحيث أن يكون لحيته ستارة على ثقبها ، فمنعه عشيقها ، فحلف برأس الملك العظيم ليشربنّ بخفّها ، فقال : هذا هيّن ، فلو أردت أن أسقيك بالخفّ ثلاثمائة فعلت. فعبّ في الخفّ إلى أن وقع. لا والله ولا طرب الصّوفية ليلة العيد ، إذا حضر عندهم مرتضى المغنّي ، معشوق العماد الكاتب ، وقد أسبل شعره على كتفيه ، وأمسك أبو شعيب الشّمعة بين يديه ، وهو يغنّي لابن رشيق القيروانيّ :
فتور عينيك ينهاني ويأمرني |
|
وورد خدّيك يغري بي ويغريني |
أمّا لئن بعت ديني واشتريت به |
|
دنيا فما بعت فيك الدّين بالدّون |
سبحان من خلق الأشياء قاطبة |
|
تراه صوّر ذاك الجسم من طين |
استغفر الله لا والله ما نفعت |
|
من سحر مقلته آيات ياسين |
فإنّهم لمّا سمعوا هاجوا وماجوا ، وصاحوا وناحوا ، وزعقوا وقفزوا إلى السّماء ، وفتلوا حتّى انخسف ببعضهم الموضع ، فنبشوا وكفّنوا ودفنوا ، والباقون يرقصون ولا يدرون.