جدّي القاضي أبو المفضّل يحيى بن علي : اجلس إلى سارية من هذه السّواري حتّى نجلس إليك. فلمّا عزمت على الجلوس اتّفق أنّه مرض ولم يقدر بعد ذلك خروج إلى المسجد. وكان أبي رحمهالله قد سمع بنسا لم يحصّل منها نسخا اعتمادا على نسخ رفيقه الحافظ أبي عليّ بن الوزير. وكان ما حصّله أبي لا يحصّله ابن الوزير ، فسمعته يقول : رحلت وما كأنّي رحلت. كنت أحسب أنّ ابن الوزير يقدم بالكتب مثل الصّحيحين ، وكتب البيهقيّ والأجزاء ، فاتّفق سكناه بمرو ، وكنت أؤمّل وصول رفيق آخر يوسف بن فارّو الجيّانيّ ، ووصول رفيقنا المراديّ ، وما أرى أحدا منهم قدم ، فلا بدّ من الرحلة ثالثا وتحصيل الكتب والمهمّات. فلم يمض إلّا أيّام يسيرة حتّى قدم أبو الحسن المراديّ ، فأنزله أبي عندنا ، فقدم بأربعة أسفاط كتب مسموعة ، ففرح أبي بذلك ، وكفاه الله مئونة السّفر. وأقبل على النّسخ والاستنساخ ، وقابل ، وبقي من مسموعاته نحو ثلاثمائة جزء ، فأعانه عليها ابن السّمعانيّ ، ونقل إليه منها جملة حتّى لم يبق عليه أكثر من عشرين جزءا. وكان كلّما حصل له جزء منها كأنّه قد حصل على ملك الدّنيا.
قلت : وله شعر جيّد يملي منه عقيب مجالسه ، فمنه :
أيا نفس ويحك جاء المشيب |
|
فما ذا التّصابي وما ذا الغزل |
تولّى شبابي كأن لم يكن |
|
وجاء مشيبي كأن لم يزل (١) |
فيا ليت شعري ممّن (٢) أكون |
|
وما قدّر الله لي من الأزل (٣) |
__________________
(١) زاد بعده في سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٥٧٠ بيتا :
كأنّي بنفسي على غرّة |
|
وخطب المنون بها قد نزل |
(٢) في معجم الأدباء : «فيمن».
(٣) الأبيات في : معجم الأدباء ١٣ / ٨٦ ، ووفيات الأعيان ٣ / ٣١٠ ، ومرآة الزمان ٨ / ٣٣٦ ، ومرآة الجنان ٣ / ٣٩٤ ، وطبقات الشافعية للإسنويّ ٢ / ٢١٧ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٢٩٤ ، وخريدة القصر ١ / ٢٧٤ ، وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ٥٦٩ ، ٥٧٠ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٧٧ ـ.