وقوله (ع) «قد جعلته حاكما» وقوله (ع) «الماء كله طاهر» وسائر الأدلة المثبتة للخيارات ونحوها مما هو ظاهر في جعل الحكم الوضعي ولا وجه لصرفها عن ظاهرها لأن الظاهر حجة فمخالفته تحتاج الى دليل وهو مفقود.
ان قلت ان المولى إذا قال لعبده (اكرم زيدا إن جاءك) لا يجد من نفسه أنه أنشأ إنشاءين وجعل أمرين أحدهما وجوب إكرام زيد والثاني كون مجيئه سببا لوجوب اكرامه بل يجد من نفسه ان الثاني مفهوم منتزع من الأول لا يحتاج الى جعل مغاير لجعله للأول بل حتى لو قال المولى (الدلوك سبب لوجوب الصلاة) فإنا لا نعقل منه جعل السببية لا بجعل مستقل ولا بالتبع وإنما نعقل منه إنشاء الوجوب عند الدلوك وانتزاع العقل السببية للدلوك هذا كله في السبب والمانع والشرط.
وأما الصحة والفساد فهما في العبادات موافقة العمل المأتي به للمأمور به أو مخالفته ومن المعلوم ان الموافقة والمخالفة ليستا مجعولتين بجعل جاعل وأما في المعاملات فهما ترتب الاثر على المعاملة وعدم الترتب ومرجع ذلك الى سببية المعاملة للأثر وعدم سببيتها وقد عرفت ان السببية غير مجعولة للشارع.
والحاصل أن هذه الأشياء ليست بأحكام مجعولة للشارع لا بنفسها ولا بتبع غيرها بل هي أما أمور واقعية كشف عنها الشارع كسببية الدم للنجاسة أو أمور انتزاعية من الاحكام التكليفية كالملكية فانها منتزعة من جواز الانتفاع بالشيء وبعوضه بلا بدل.
قلنا ان ما ذكره الخصم كله راجع الى دعوى الوجدان الممنوعة عليه والمصادرة العارية عن البينة والبرهان ومع ذلك في كلامه مواقع للنظر.