وقد يتوهم فيقال : كيف تدعى استغناء الشريعة الاسلامية عن الأحكام العقلية مع أن المدنية الاسلامية في أمس الحاجة الى البحث الذي يزيل الغبار الذي تراكم عليها من أمد بعيد عن أهليتها لقيادة الانسانية نحو المثل العليا وتوجيهها نحو المرتبة الاسمى من الصلاح والاصلاح وهذا لا يتم لنا إلّا إذا ظفرنا بالمناهل التي نستمد منها الاحكام الشرعية على الوجه الصحيح ونستند في فهمها الى العقل السليم كيف لا والمدنية الاسلامية ليست كغيرها من المدنيات التي حددت لنفسها الحياة ضمن إطار خاص أو. نظرة للانسانية من زاوية خاصة وإنما اتجهت للشئون الحيوية من جميع نواحيها وتطلعت إلى رفع مستوى للحياة في سائر ميادينها ونظرت للانسانية بوجودها الفردي والنوعي وأرعت صالحها في سائر ظروفها وتقاديرها في أسلوب منقطع النظير وتشريع يساير تطور الحياة وتقدمها ويشايع شعاب آرائها وتفكيرها في سائر اتجاهاتها. وعليه فليس من المعقول والمنطق أن نجعل العقل بمعزل عن هذه المدنية بل لا بد أن نراعي مصادر هذه للشريعة على ضوء العقل السليم المجرد عن مخالطة الهوى والشهوات ولهذا كانت مهمة الفقيه شاقة جدا تتطلب الإحاطة الدقيقة بمصادر الحكم الشرعي وبالتبصر في مؤداها وبالظروف التي وردت فيها ومدى المصلحة التي اقتضتها وبطبيعة الحياة الحاضرة ومساعدة ظروفها للأخذ بها بأي نحو وعلى أي كيفية ودرس سنن الطبيعة العامة المسيرة للحياة على وجه الارض وما قد تفاجئ به من التقلبات والاحداث التي تجعل من الضرورة التوسع في الحكم والتضييق فيه مراعاة لرفع الحرج والضرر في هذه الشريعة ومسايرة للسماحة والسهولة فيها.
ومما يحكى في هذا الباب أن بعض الفقهاء كان جالسا في مكان جميل