لا بد وأن يوجد على طبقها دليل نقلي من الكتاب أو السنة ولعله من الشاذ النادر وحتى الآن لم أجد موردا للعقل يدل على حكمه الشرعي دلالة قطعية ولم يكن في مورده دليل نقلي وربما يتوهم بأن الاستقراء والقياس وأمثالها هي أدلة عقلية وتوجد في موارد كثيرة لم يقم النص عليها فإنه فاسد لانها : ـ
أولا ليس من أدلة العقل القطعية وإنما هي من أدلة العقل الظنية. ولو سلمنا أنها دلت دلالة قطعية فهي لدى الحقيقة من الادلة العقلية الغير الاستقلالية التابعة للنص الشرعي المسماة بالادلة العقلية التبعية الاستلزامية لأن القياس هو الحاق الواقعة بواقعة أخرى في حكمها الشرعي لمشابهتها له في علة الحكم فيكون الحكم في المقيس تابعا للدليل النقلي الموجود في الواقعة المقيس عليها وهكذا الاستقراء فإن استقراء العقل للأحكام الشرعية للجزئيات ليحكم على كليها المجهول الحكم بحكم تلك الجزئيات فيكون حكم العقل على هذا المجهول بواسطة الأدلة النقلية على جزئياته ونحن كلامنا في دليل العقل المستقل. نعم لو قلنا أن دليل العقل المستقل أن يدل على الحكم الشرعي المستقل ولو كانت دلالته من جهة انضمام النقل اليه كان القياس ونحوه دليلا عقليا مستقلّا لأنه يدل على حكم الفرع مستقلا لا تبعا لحكم الأصل فهو ليس نظير وجوب المقدمة فانه دائر مدارها.
والحاصل أن المناط في الاستقلال وعدمه هو استقلال الحكم المدلول عليه في الوجود لا استقلال الدليل إلا أن الظاهر من كلمات الفقهاء بل الذي يقتضيه الاعتبار أن المناط في استقلال الدليل العقلي هو عدم توقفه في دلالته على النقل ، فالاستقلال باعتبار الدلالة لا باعتبار المدلول وهو الحكم الشرعي.