في مغارة من الجبل دفينا للحاكم العبيديّ ، فلمّا ظفر بالمال واسى به الفقراء والصّعاليك من كلّ ملّة ، فاتّصل خبره بالسّلطان ، فطلبه وطلب منه المال ، فقال : لا يشمل إلى أن أعطيك من يدي إلى يدك. ولكن يصل إليك من جهة من تصادره ولا يقدر على تطلّبه منه ، فلا تعجل عليّ. فلمّا جرت هذه الواقعة للنّصارى ضمنهم (١).
وقد ذكرنا وفاته في سنة ستّ وستّين ، وكانت قد وصلت الفتاوى بقتله خوفا من الفتنة على ضعفاء الإيمان من المسلمين ، من علماء الإسكندريّة.
فقيل إنّ مبلغ ما وصل إلى بيت المال من طريقه في مدّة سنتين ستّمائة ألف دينار. وقد ضبط ذلك بقلم الصّيارفة الّذين كان يجعل عندهم المال ، ويكتب إليهم أوراقه. وذلك خارجا عمّا كان يعطيه بيده سرّا.
وكان لا يأكل من هذا المال ولا يلبس ، بل إنّ النّصارى يتصدّقون عليه بما يأكل ويلبس. ولم يظهر له بعد موته ولا دينار واحد. وكان يقول : من لم يكن معه شيء أدّيت عنه في المصادرة. فكان يدخل الحبس ويطلق من عليه دين ، ومن وجده ذا هيئة رثّة واساه ، ومن شكى إليه ضرورة أزاحها عنه.
وقد سافر إلى الإسكندريّة ، وأدّى جملة عن أهل الذّمّة ، وكذا سافر إلى الصّعيد ، وأدّى المقرّر على أهل الذّمة. وكان عجيب الحال ، لعنه الله. ومن لطف الله أنّه غير مسلم ، وإلّا لو كان مسلما لتألّهه النّاس ، وادّعوا فيه النّبوّة أو القطبيّة. نسأل الله العافية.
[الشروع في حفر بحر أشموم]
وفي شوّال شرع السّلطان في حفر بحر أشموم ، وفرّقه على الأمراء ،
__________________
(١) انظر خبر الحريق في : تاريخ الدولة التركية لمؤرّخ مجهول ، ورقة ١٠ أوب ، ونهاية الأرب ٣٠ / ١١٤ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٣٥ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٤٥ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣١٩ ، ٣٢٠ ، وعقد الجمان. (١) ٤١٠ ، وتاريخ الخلفاء ٤٨٠ ، وبدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٣٢٤ ، ٣٢٥.