الثاني : امّا إذا لم يكن هناك بيت مال فإذا كان أخذ الأجرة حراما منصوصا عليه وكان من صلب الشريعة فلا يمسّه عنصر الزمان ولكن يمكن الجمع بين الأمرين وتحليله عن طريق آخر ، وهو أن يجتمع أولياء الصبيان أو غيرهم ممّن لهم حاجة إلى إقامة القضاء والأذان والإفتاء فيشاركون في سد حاجة المفتي والقاضي والمؤذن والمعلم حتى يتفرّغوا لأعمالهم العبادية بلا هوادة وتقاعس ، على أنّ ما يبذلون لا يعد أجرة لهم وإنّما هو لتحسين وضعهم المعاشي.
وبعبارة أخرى : القاضي والمفتي والمؤذّن والمعلم يمارس كلّ أعماله لله سبحانه ، ولكن بما انّ الاشتغال بهذه المهام يتوقّف على سد عيلتهم ورفع حاجتهم فالمعنيّون من المؤمنين يسدّون عيلتهم حتى يقوموا بواجبهم وإلّا فكما أنّ الإفتاء واجب ، فكذلك تحصيل الضروريات لهم ولعيالهم أيضا واجب. وعند التزاحم يقدّم الثاني على الأوّل إذ في خلافه ، خوف هلاك النفوس وانحلال الأسرة ، ولكن يمكن الجمع بين الحكمين على الطريق الذي أشرنا إليه.
٦. انّ الشهود الذين يقضى بشهادتهم في الحوادث يجب أن يكونوا عدولا ، أي ثقات ، وهم المحافظون على الواجبات الدينية المعروفون بالسرّ والأمانة ، وأنّ عدالة الشهود شريطة اشترطها القرآن الكريم لقبول شهادتهم ، وأيّدتها السنّة وأجمع عليها فقهاء الإسلام.
غير أنّ المتأخّرين من فقهائنا لحظوا ندرة العدالة الكاملة التي فسّرت